الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

اعلم أنه تعالى كما أدب أهل الإفك ومن سمع كلامهم كما قدمنا ذكره، فكذلك أدب أبا بكر لما حلف أن لا ينفق على مسطح أبداً، قال المفسرون: نزلت الآية في أبي بكر حيث حلف أن لا ينفق على مسطح وهو ابن خالة أبي بكر، وقد كان يتيماً في حجره وكان ينفق عليه وعلى قرابته، فلما نزلت الآية قال لهم أبو بكر قوموا فلستم مني ولست منكم ولا يدخلن عليَّ أحد منكم، فقال مسطح أنشدك الله والإسلام وأنشدك القرابة والرحم أن لا تحوجنا إلى أحد، فما كان لنا في أول الأمر من ذنب، فقال لمسطح إن لم تتكلم فقد ضحكت! فقال قد كان ذلك تعجباً من قول حسان فلم يقبل عذره، وقال انطلقوا أيها القوم فإن الله لم يجعل لكم عذراً ولا فرجاً، فخرجوا لا يدرون أين يذهبون وأين يتوجهون من الأرض، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بأن الله تعالى قد أنزل علي كتاباً ينهاك فيه أن تخرجهم فكبر أبو بكر وسره، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية عليه فلما وصل إلى قوله: { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ } قال بلى يا رب إني أحب أن يغفر لي، وقد تجاوزت عما كان، فذهب أبو بكر إلى بيته وأرسل إلى مسطح وأصحابه، وقال قبلت ما أنزل الله على الرأس والعين، وإنما فعلت بكم ما فعلت إذ سخط الله عليكم، أما إذا عفا عنكم فمرحباً بكم، وجعل له مثلي ما كان له قبل ذلك اليوم، وههنا مسائل: المسألة الأولى: ذكروا في قوله: { وَلاَ يَأْتَلِ } وجهين: الأول: وهو المشهور أنه من ائتلى إذا حلف، افتعل من الألية، والمعنى لا يحلف، قال أبو مسلم هذا ضعيف لوجهين: أحدهما: أن ظاهر الآية على هذا التأويل يقتضي المنع من الحلف على الإعطاء وهم أرادوا المنع من الحلف على ترك الإعطاء، فهذا المتأول قد أقام النفي مكان الإيجاب وجعل المنهي عنه مأموراً به وثانيهما: أنه قلما يوجد في الكلام افتعلت مكان أفعلت، وإنما يوجد مكان فعلت، وهنا آليت من الألية افتعلت. فلا يقال أفعلت كما لا يقال من ألزمت التزمت ومن أعطيت اعتطيت، ثم قال في يأتل إن أصله يأتلي ذهبت الياء للجزم لأنه نهى وهو من قولك ما آلوت فلاناً نصحاً، ولم آل في أمري جهداً، أي ما قصرت ولا يأل ولا يأتل واحداً، فالمراد لا تقصروا في أن تحسنوا إليهم ويوجد كثيراً افتعلت مكان فعلت تقول كسبت واكتسبت وصنعت واصطنعت ورضيت وارتضيت، فهذا التأويل هو الصحيح دون الأول، ويروى هذا التأويل أيضاً عن أبي عبيدة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8