الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } * { رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ } * { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ }

إعلم أنه سبحانه ادعى أمرين أحدهما: قوله: { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ } وهو كالتنبيه على أن ذلك من قول هؤلاء الكفار، فإن جمعاً منهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله والثاني: قوله: { وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ } وهو قولهم باتخاذ الأصنام آلهة، ويحتمل أن يريد به إبطال قول النصارى والثنوية، ثم إنه سبحانه وتعالى ذكر الدليل المعتمد بقوله: { إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } والمعنى لانفرد على ذلك كل واحد من الآلهة بخلقه الذي خلقه واستبد به، ولرأيتم ملك كل واحد منهم متميزاً عن ملك الآخر، ولغلب بعضهم على بعض كما ترون حال ملوك الدنيا ممالكهم متميزة وهم متغالبون، وحيث لم تروا أثر التمايز في الممالك والتغالب، فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كل شيء. فإن قيل: { إِذاً } لا يدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب، فكيف وقع قوله لذهب جزاء وجواباً؟ ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل، قلنا الشرط محذوف وتقديره ولو كان معه آلهة، وإنما حذف لدلالة قوله: { وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ } عليه، ثم إنه سبحانه نزه نفسه عن قولهم بقوله: { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } من إثبات الولد والشريك. أما قوله: { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } فقرىء بالجر صفة لله، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف، والمعنى أنه سبحانه هو المختص بعلم الغيب والشهادة، فغيره وإن علم الشهادة فلن يعلم معها الغيب، والشهادة التي يعلمها لا يتكامل بها النفع إلا مع العلم بالغيب وذلك كالوعيد لهم، فلذلك قال: { فَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ثم أمره سبحانه بالانقطاع إليه وأن يدعوه بقوله: { رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } قال صاحب «الكشاف»: ما والنون مؤكدتان، أي إن كان ولا بد من أن تريني ما تعدهم من العذاب في الدنيا أو في الآخرة، فلا تجعلني قريناً لهم ولا تعذبني بعذابهم، فإن قيل كيف يجوز أن يجعل الله نبيه المعصوم مع الظالمين حتى يطلب أن لا يجعله معهم؟ قلنا يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهاراً للعبودية وتواضعاً لربه. وما أحسن قول الحسن في قول الصديق: وليتكم ولست بخيركم، مع أنه كان يعلم أنه خيرهم، ولكن المؤمن يهضم نفسه، وإنما ذكر رب مرتين مرة قبل الشرط ومرة قبل الجزاء مبالغة في التضرع. أما قوله تعالى: { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَـٰدِرُونَ } ففيه قولان: أحدهما: أنهم كانوا ينكرون الوعد بالعذاب ويضحكون منه، فقيل لهم: إن الله قادر على إنجاز ما وعد ويحتمل عذاباً في الدنيا مؤخراً عن أيامه عليه السلام، فلذلك قال بعضهم: هو في أهل البغى، وبعضهم في الكفار الذين قوتلوا بعد الرسول صلى الله عليه وسلم والثاني: أن المراد عذاب الآخرة.

السابقالتالي
2