الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ }

القراءة قرأ الحسن { مّنَ ٱلْبَعْثِ } بالتحريك ونظيره الحلب والطرد في الحلب وفي الطرد { مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } بجر التاء والراء، وقرأ ابن أبي عبلة بنصبهما القراءة المعروفة بالنون في قوله: { لّنُبَيّنَ } وفي قوله: { وَنُقِرُّ } وفي قوله: { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } ابن أبي عبلة بالياء في هذه الثلاثة، أما القراءة بالنون ففيها وجوه: أحدها: القراءة المشهورة وثانيها: روى السيرافي عن داود عن يعقوب ونقر بفتح النون وضم القاف والراء وهو من قر الماء إذا صبه، وفي رواية أخرى عنه كذلك إلا أنه بنصب الراء وثالثها: ونقر ونخرجكم بنصب الراء والجيم أما القراءة بالياء ففيها وجوه: أحدها: يقر ويخرجكم بفتح القاف والراء والجيم وثانيها: يقر ويخرجكم بضم القاف والراء والجيم وثالثها: بفتح الياء وكسر القاف وضم الراء أبو حاتم { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ } بفتح الياء أي يتوفاه الله تعالى ابن عمرة والأعمش { ٱلْعُمُرُ } بإسكان الميم القراءة المعروفة { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } وفي حرف عبدالله ومنكم من يتوفى ومنكم من يكون شيوخاً بغير القراءة المعروفة وربت أبو جعفر وربأت أي ارتفعت، وروى العمري عنه بتليين الهمزة وقرىء وأنه باعث. المعاني: اعلم أنه سبحانه لما حكى عنهم الجدال بغير العلم في إثبات الحشر والنشر وذمهم عليه فهو سبحانه أورد الدلالة على صحة ذلك من وجهين: أحدهما: الاستدلال بخلقة الحيوان أولاً وهو موافق لما أجمله في قوله:قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ } [يس: 79] وقوله:فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الإسراء: 51] فكأنه سبحانه وتعالى قال: إن كنتم في ريب مما وعدناكم من البعث، فتذكروا في خلقتكم الأولى لتعلموا أن القادر على خلقكم أولاً قادر على خلقكم ثانياً، ثم إنه سبحانه ذكر من مراتب الخلقة الأولى أموراً سبعة: المرتبة الأولى: قوله: { فَإِنَّا خَلَقْنَـٰكُمْ مّن تُرَابٍ } وفيه وجهان: أحدهما: إنا خلقنا أصلكم وهو آدم عليه السلام من تراب، لقوله:كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } [آل عمران: 59] وقوله:مِنْهَا خَلَقْنَـٰكُمْ } [طه: 55]، والثاني: أن خلقة الإنسان من المني ودم الطمث وهما إنما يتولدان من الأغذية، والأغذية إما حيوان أو نبات وغذاء الحيوان ينتهي قطعاً للتسلسل إلى النبات، والنبات إنما يتولد من الأرض والماء، فصح قوله: { إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مّن تُرَابٍ } المرتبة الثانية: قوله: { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } والنطفة اسم للماء القليل أي ماء كان، وهو ههنا ماء الفحل فكأنه سبحانه يقول: أنا الذي قلبت ذلك التراب اليابس ماء لطيفاً، مع أنه لا مناسبة بينهما ألبتة المرتبة الثالثة: قوله: { ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } العلقة قطعة الدم الجامدة، ولا شك أن بين الماء وبين الدم الجامد مباينة شديدة المرتبة الرابعة: قوله: { ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِى ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ } فالمضغة اللحمة الصغيرة قدر ما يمضغ، والمخلقة المسواة الملساء السالمة من النقصان والعيب، يقال خلق السواك والعود إذا سواه وملسه، من قولهم صخرة خلقاء إذا كانت ملساء.

السابقالتالي
2 3 4 5