الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ }

اعلم أنه تعالى لما دل على قدرته من قبل بما ذكره من ولوج الليل في النهار ونبه به على نعمه، أتبعه بأنواع أخر من الدلائل على قدرته ونعمته وهي ستة. أولها: قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: ذكروا في قوله: { أَلَمْ تَرَ } وجوهاً ثلاثة: أحدها: أن المراد هو الرؤية الحقيقية، قالوا لأن الماء النازل من السماء يرى بالعين واخضرار النبات على الأرض مرئي، وإذا أمكن حمل الكلام على حقيقته فهو أولى وثانيها: أن المراد ألم تخبر على سبيل الاستفهام وثالثها: المراد ألم تعلم والقول الأول ضعيف لأن الماء وإن كان مرئياً إلا أن كون الله منزلاً له من السماء غير مرئي إذا ثبت هذا وجب حمله على العلم، لأن المقصود من تلك الرؤية هو العلم، لأن الرؤية إذا لم يقترن بها العلم كانت كأنها لم تحصل. المسألة الثانية: قرىء { مُخْضَرَّةً } كمبقلة ومسبعة أي ذات خضرة، وههنا سؤالات: السؤال الأول: لم قال: { فَتُصْبِحُ الأرض } ولم يقل فأصبحت؟ الجواب: لنكتة فيه وهي إفادة بقاء أثر المطر زماناً بعد زمان، كما تقول أنعم على فلان عام كذا فأروح وأغد شاكراً له، ولو قلت فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع. السؤال الثاني: لم رفع ولم ينصب جواباً للاستفهام؟ والجواب: لو نصب لأعطى عكس ما هو الغرض، لأن معناه إثبات الإخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الإخضرار مثاله أن تقول لصاحبك ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر. وإن نصبته فأنت ناف لشكره شاك لتفريطه، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر. السؤال الثالث: لم أورد تعالى ذلك دلالة على قدرته على الإعادة، كما قال أبو مسلم. الجواب: يحتمل ذلك ويحتمل أنه نبه به على عظيم قدرته وواسع نعمه. السؤال الرابع: ما تعلق قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } بما تُقدم؟ الجواب: من وجوه أحدها: أراد أنه رحيم بعباده ولرحمته فعل ذلك حتى عظم انتفاعهم به، لأن الأرض إذا أصبحت مخضرة والسماء إذا أمطرت كان ذلك سبباً لعيش الحيوانات على اختلافها أجمع. ومعنى { خَبِيرٌ } أنه عالم بمقادير مصالحهم فيفعل على قدر ذلك من دون زيادة ونقصان وثانيها: قال ابن عباس { لَطِيفٌ } بأرزاق عباده { خَبِيرٌ } بما في قلوبهم من القنوط وثالثها: قال الكلبي { لَطِيفٌ } في أفعاله { خَبِيرٌ } بأعمال خلقه ورابعها: قال مقاتل: { لَطِيفٌ } باستخراج النبت { خَبِيرٌ } بكيفية خلقه. الدلالة الثانية: قوله تعالى: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ } والمعنى أن كل ذلك منقاد له غير ممتنع من التصرف فيه وهو غني عن الأشياء كلها وعن حمد الحامدين أيضاً لأنه كامل لذاته، والكامل لذاته غني عن كل ما عداه في كل الأمور، ولكنه لما خلق الحيوان فلا بد في الحكمة من قطر ونبات فخلق هذه الأشياء رحمة للحيوانات وإنعاماً عليهم، لا لحاجة به إلى ذلك.

السابقالتالي
2 3