الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } * { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } * { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ }

اعلم أنه تعالى لما بين ما يلزم الحج ومناسكه وما فيه من منافع الدنيا والآخرة، وقد ذكرنا من قبل أن الكفار صدوهم أتبع ذلك ببيان ما يزيل الصد ويؤمن معه التمكن من الحج فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بالألف ومثله { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ } وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بغير ألف فيهما. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ } بالألف { وَلَوْلاَ دَفْعُ } بغير ألف، فمن قرأ يدافع فمعناه يبالغ في الدفع عنهم، وقال الخليل يقال دفع الله المكروه عنك دفعاً ودافع عنك دفاعاً والدفاع أحسنهما. المسألة الثانية: ذكر { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } ولم يذكر ما يدفعه حتى يكون أفخم وأعظم وأعم، وإن كان في الحقيقة أنه يدافع بأس المشركين. فلذلك قال بعده { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } فنبه بذلك على أنه يدفع عن المؤمنين كيد من هذا صفته. المسألة الثالثة: قال مقاتل: إن الله يدافع كفار مكة عن الذين آمنوا بمكة، هذا حين أمر المؤمنين بالكف عن كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في قتلهم سراً فنهاهم. المسألة الرابعة: هذه الآية بشارة للمؤمنين بإعلائهم على الكفار وكف بوائقهم عنهم وهي كقوله:لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } [آل عمران: 111] وقوله:إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } [غافر: 51] وقال:إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } [الصافات: 172]وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } [الصف: 13]. أما قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } فالمعنى أنه سبحانه جعل العلة في أنه يدافع عن الذين آمنوا أن الله لا يحب صدهم، وهو الخوان الكفور أي خوان في أمانة الله كفور لنعمته ونظيره قوله:لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَـٰنَـٰتِكُمْ } [الأنفال: 27] قال مقاتل أقروا بالصانع وعبدوا غيره فأي خيانة أعظم من هذه؟ أما قوله تعالى: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } ففيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ أهل المدينة والبصرة وعاصم في رواية حفص { أَذِنَ } بضم الألف والباقون بفتحها أي أذن الله لهم في القتال، وقرأ أهل المدينة وعاصم { يُقَـٰتَلُونَ } بنصب التاء، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي { أَذِنَ } بنصب الف { ويقاتلون } بكسر التاء. قال الفراء والزجاج: يعني أذن الله للذين يحرصون على قتال المشركين في المستقبل، ومن قرأ بفتح التاء فالتقدير أذن للذين يقاتلون في القتال. المسألة الثانية: في الآية محذوف والتقدير أذن للذين يقاتلون في القتال فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه. أما قوله: { بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } فالمراد أنهم أذنوا في القتال بسبب كونهم مظلومين وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مشركوا مكة يؤذونهم أذى شديداً وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بقتال حتى هاجر فأنزل الله تعالى هذه الآية وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية، وقيل نزلت في قوم خرجوا مهاجرين فاعترضهم مشركوا مكة فأذن في مقاتلتهم.

السابقالتالي
2 3 4