الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ }

اعلم أن قوله تعالى: { لَكُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } لا يليق إلا بأن تحمل الشعائر على الهدي الذي فيه منافع إلى وقت النحر، ومن يحمل ذلك على سائر الواجبات يقول لكم فيها أي في التمسك بها منافع إلى أجل ينقطع التكليف عنده، والأول هو قول جمهور المفسرين، ولا شك أنه أقرب. وعلى هذا القول فالمنافع مفسرة بالدر والنسل والأوبار وركوب ظهورها، فأما قوله { إلى أجل مسمى } ففيه قولان: أحدهما: أن لكم أن تنتفعوا بهذه البهائم إلى أن تسموها ضحية وهدياً فإذا فعلتم ذلك فليس لكم أن تنتفعوا بها، وهذا قول ابن عباس ومجاهد وعطاء وقتادة والضحاك وقال آخرون { لكم فيها } أي في البدن { منافع } مع تسميتها هدياً بأن تركبوها إن احتجتم إليها وأن تشربوا ألبانها إذا اضطررتم إليها { إلى أجل مسمى } يعني إلى أن تنحروها هذه هي الرواية الثانية عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو اختيار الشافعي، وهذا القول أولى لأنه تعالى قال: { لَكُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ } أي في الشعائر ولا تسمى شعائر قبل أن تسمى هدياً وروى أبو هريرة أنه عليه السلام " مر برجل يسوق بدنة وهو في جهد، فقال عليه السلام اركبها فقال يا رسول الله إنها هدى فقال اركبها ويلك " وروى جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا ظهراً " واحتج أبو حنيفة رحمه الله على أنه لا يملك منافعها بأن لا يجوز له أن يؤجرها للركوب فلو كان مالكاً لمنافعها لملك عقد الإجارة عليها كمنافع سائر المملوكات، وهذا ضعيف لأن أم الولد لا يمكنه بيعها، ويمكنه الانتفاع بها فكذا ههنا. أما قوله تعالى: { ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } فالمعنى أن لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم وأعظم هذه المنافع محلها إلى البيت العتيق أي وجوب نحرها أو وقت وجوب نحرها منتهية إلى البيت، كقوله:هَدْياً بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ } [المائدة:95] وبالجملة فقوله: { مَحِلُّهَا } يعني حيث يحل نحرها، وأما البيت العتيق فالمراد به الحرم كله، ودليله قوله تعالى:فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } [التوبة: 28] أي الحرم كله فالمنحر على هذا القول كل مكة، ولكنها تنزهت عن الدماء إلى منى ومنى من مكة، قال عليه السلام: " كل فجاج مكة منحر وكل فجاج منى منحر " قال القفال هذا إنما يختص بالهدايا التي بلغت منى فأما الهدي المتطوع به إذا عطب قبل بلوغ مكة فإن محله موضعه. أما قوله تعالى: { وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } فالمعنى شرعنا لكل أمة من الأمم السالفة من عهد إبراهيم عليه السلام إلى من بعده ضرباً من القربان وجعل العلة في ذلك أن يذكروا اسم الله تقدست أسماؤه على المناسك، وما كانت العرب تذبحه للصنم يسمى العتر والعتيرة كالذبح والذبيحة، وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً منسكاً بكسر السين وقرأ الباقون بالفتح وهو مصدر بمعنى النسك والمكسور بمعنى الموضع.

السابقالتالي
2