الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }

القصة السابعة اعلم أنه تعالى لما ذكر صبر أيوب عليه السلام وانقطاعه إليه أتبعه بذكر هؤلاء فإنهم كانوا أيضاً من الصابرين على الشدائد والمحن والعبادة، أما إسمعيل عليه السلام فلأنه صبر على الإنقياد للذبح، وصبر على المقام ببلد لا زرع فيه ولا ضرع ولا بناء، وصبر في بناء البيت، فلا جرم أكرمه الله تعالى وأخرج صلبه خاتم النبيين، وأما إدريس عليه السلام فقد تقدمت قصته في سورة مريم عليها السلام، قال ابن عمر رضي الله عنهما: «بعث إلى قومه داعياً لهم إلى الله تعالى فأبوا فأهلكهم الله تعالى ورفع إدريس إلى السماء الرابعة» وأما ذوا الكفل ففيه مسائل: المسألة الأولى: فيها بحثان: الأول: قال الزجاج الكفل في اللغة الكساء الذي يجعل على عجز البعير، والكفل أيضاً النصيب واختلفوا في أنه لم سمي بهذا الاسم على وجوه. أحدها: وهو قول المحققين أنه كان له ضعف عمل الأنبياء عليهم السلام في زمانه وضعف ثوابهم. وثانيها: قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية: «إن نبياً من أنبياء بني إسرائيل آتاه الله الملك والنبوة ثم أوحى الله إليه أني أريد قبض روحك، فأعرض ملكك على بني إسرائيل، فمن تكفل لك أنه يصلي بالليل حتى يصبح ويصوم بالنهار فلا يفطر، ويقضي بين الناس فلا يغضب فادفع ملكك إليه، فقام ذلك النبي في بني إسرائيل وأخبرهم بذلك، فقام شاب وقال: أنا أتكفل لك بهذا. فقال في القوم: من هو أكبر منك فاقعد ثم صاح الثانية والثالثة فقام الرجل وقال: أتكفل لك بهذه الثلاث فدفع إليه ملكه، ووفى بما ضمن. فحسده إبليس فأتاه وقت ما يريد أن يقيل، فقال: إن لي غريماً قد مطلني حقي وقد دعوته إليك فأبى فأرسل معي من يأتيك به، فأرسل معه وقعد حتى فاتته القيلولة ودعا إلى صلاته وصلى ليله إلى الصباح، ثم أتاه من الغد عند القيلولة فقال: إن الرجل الذي استأذنتك له في موضع كذا فلا تبرح حتى آتيك به، فذهب وبقي منتظراً حتى فاتته القيلولة، ثم أتاه فقال له: هرب مني فمضى ذو الكفل إلى صلاته فصلى ليلته حتى أصبح، فأتاه إبليس وعرفه نفسه، وقال له: حسدتك على عصمة الله إياك فأردت أن أخرجك حتى لا تفي بما تكفلت به، فشكره الله تعالى على ذلك ونبأه، فسمي ذا الكفل». وعلى هذا فالمراد بالكفل هنا الكفالة. وثالثها: قال مجاهد: لما كبر اليسع عليه السلام، قال: لو أني استخلفت رجلاً على الناس في حياتي حتى أنظر كيف يعمل، فجمع الناس وقال من يتقبل مني حتى استخلفه ثلاثاً يصلي بالليل ويصوم بالنهار ويقضي فلا يغضب، وذكر علي كرم الله وجهه نحو ما ذكره ابن عباس رضي الله عنه من فعل إبليس وتفويته عليه القيلولة ثلاثة أيام.

السابقالتالي
2