الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } * { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ }

أما قوله: { قَالَ رَبّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } ففيه مسائل: المسألة الأولى: قرىء { قَالَ رَبّي } حكاية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وقرأ الباقون قل بضم القاف وحذف الألف وسكون اللام. المسألة الثانية: أنه تعالى لما أورد هذا الكلام عقيب ما حكى عنهم وجب أن يكون كالجواب لما قالوه فكأنه قال إنكم وإن أخفيتم قولكم، وطعنكم فإن ربي عالم بذلك وإنه من وراء عقوبته، فتوعدوا بذلك لكي لا يعودوا إلى مثله. المسألة الثالثة: قال صاحب " الكشاف ": فإن قلت فهلا قيل له يعلم السر لقوله:وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } [الأنبياء: 3] قلت القول علام يشمل السر والجهر فكأن في العلم به العلم بالسر وزيادة فكأن آكد في بيان الإطلاع على نجواهم من أن يقول: { يَعْلَمُ ٱلسّرَّ } كما أن قوله تعالى: { يَعْلَمُ ٱلسّرَّ } آكد من أن يقول يعلم سرهم فإن قلت فلم ترك الآكد في سورة الفرقان في قوله:قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِى يَعْلَمُ ٱلسّرَّ فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } [الفرقان: 6] قلت: ليس بواجب أن يجيء بالآكد في قوله في كل موضع، ولكن يجيء بالتوكيد مرة وبالآكد مرة أخرى، ثم الفرق أنه قدم ههنا أنهم أسروا النجوى، فكأنه أراد أن يقول: إن ربي يعلم ما أسروه، فوضع القول موضع ذلك للمبالغة وثمة قصد وصف ذاته بأن قال: { أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسّرَّ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } فهو كقوله:عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } [سبأ: 48]،عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ } [سبأ: 3]. المسألة الرابعة: إنما قدم السميع على العليم لأنه لا بد من سماع الكلام أولاً ثم من حصول العلم بمعناه، أما قوله: { بَلْ قَالُواْ أَضْغَـٰثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِـئَايَةٍ كَمَا أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } فاعلم أنه تعالى عاد إلى حكاية قولهم المتصل بقوله:هَلْ هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسّحْرَ } [الأنبياء: 3] ثم قال: { بَلْ قَالُواْ أَضْغَـٰثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } فحكى عنهم ثم هذه الأقوال الخمسة فترتيب كلامهم كأنهم قالوا: ندعي أن كونه بشراً مانع من كونه رسولاً لله تعالى. سلمنا أنه غير مانع، ولكن لا نسلم أن هذا القرآن معجز، ثم إما أن يساعد على أن فصاحة القرآن خارجة عن مقدور البشر، قلنا: لم لا يجوز أن يكون ذلك سحراً وإن لم يساعد عليه فإن ادعينا كونه في نهاية الركاكة قلنا: إنها أضغاث أحلام، وإن ادعينا أنه متوسط بين الركاكة والفصاحة قلنا إنه افتراه، وإن ادعينا إنه كلام فصيح قلنا إنه من جنس فصاحة سائر الشعراء، وعلى جميع هذه التقديرات فإنه لا يثبت كونه معجزاً، ولما فرغوا من تعديد هذه الاحتمالات قالوا: { فليأتنا بآيةٍ كما أُرسل الأولون } فالمراد أنهم طلبوا آية جلية لا يتطرق إليها شيء من هذه الاحتمالات كالآيات المنقولة عن موسى وعيسى عليهما السلام، ثم إن الله تعالى بدأ بالجواب عن هذا السؤال الأخير بقوله: { مَا ءَامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } والمعنى أنهم في العتو أشد من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعهدوا أنهم يؤمنون عندها فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا، فأهلكهم الله، فلو أعطيناهم ما يقترحون لكانوا أشد نكثاً.

السابقالتالي
2