الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } * { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } * { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

اعلم أنه تعالى لما أورد على الكفار الحجج في أن لا إله سواه من الوجوه التي تقدم ذكرها، وبين أنه أرسل رسوله رحمة للعالمين، أتبع ذلك بما يكون إعذاراً وإنذاراً في مجاهدتهم والإقدام عليهم، فقال: { قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَىَّ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال صاحب «الكشاف»: إنما يقصر الحكم على شيء أو يقصر الشيء على حكم، كقولك إنما زيد قائم أو إنما يقوم زيد، وقد اجتمع المثالان في هذه الآية. لأن: { إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَىَّ } مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد: { أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } بمنزلة إنما زيد قائم، وفائدة اجتماعهما الدلالة على أن الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصور على إثبات وحدانية الله تعالى وفي قوله { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } أن الوحي الوارد على هذا السنن يوجب أن تخلصوا التوحيد له وأن تتخلصوا من نسبة الأنداد، وفيه أنه يجوز إثبات التوحيد بالسمع. فإن قيل: لو دلت إنما على الحصر لزم أن يقال: إنه لم يوح إلى الرسول شيء إلا التوحيد ومعلوم أن ذلك فاسد، قلنا: المقصود منه المبالغة، أما قوله: { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَاء } فقال صاحب «الكشاف»: آذن منقول من أذن إذا علم ولكنه كثر استعماله في الجري مجرى الإنذار، ومنه قوله:فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة: 279] إذا عرفت هذا فنقول: المفسرون ذكروا فيه وجوهاً. أحدها: قال أبو مسلم: الإيذان على السواء الدعاء إلى الحرب مجاهرة لقوله تعالى:فَٱنبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاء } [الأنفال: 58] وفائدة ذلك أنه كان يجوز أن يقدر على من أشرك من قريش أن حالهم مخالف لسائر الكفار في المجاهدة، فعرفهم بذلك أنهم كالكفار في ذلك. وثانيها: أن المراد فقد أعلمتكم ما هو الواجب عليكم من التوحيد وغيره على السواء، فلم أفرق في الإبلاغ والبيان بينكم، لأني بعثت معلماً. والغرض منه إزاحة العذر لئلا يقولوا:رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } [طه: 134]. وثالثها: على سواء على إظهار وإعلان. ورابعها: على مهل، والمراد أني لا أعاجل بالحرب الذي آذنتكم به بل أمهل وأؤخر رجاء الإسلام منكم. أما قوله: { وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } ففيه وجهان: أحدهما: { أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } من يوم القيامة، ومن عذاب الدنيا ثم قيل: نسخه قوله:وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ } [الأنبياء: 97] يعني منهما، فإن مثل هذا الخبر لا يجوز نسخه. وثانيها: المراد أن الذي آذنهم فيه من الحرب لا يدري هو قريب أم بعيد لئلا يقدر أنه يتأخر كأنه تعالى أمره بأن ينذرهم بالجهاد الذي يوحى إليه أن يأتيه من بعد ولم يعرفه الوقت، فلذلك أمره أن يقول: إنه لا يعلم قربه أم بعده.

السابقالتالي
2 3