الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } * { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } * { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً }

اعلم أنه تعالى لما قال لموسى:وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ } [طه: 83] وقال موسى في جوابه:وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىٰ } [طه: 84] عرفه الله تعالى ما حدث من القوم بعد أن فارقهم مما كان يبعد أن يحدث لو كان معهم فقال: { فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِىُّ } وههنا مسائل: المسألة الأولى: قالت المعتزلة: لا يجوز أن يكون المراد أن الله تعالى خلق فيهم الكفر لوجهين، الوجه الأول: الدلائل العقلية الدالة على أنه لا يجوز من الله أن يفعل ذلك. الثاني: أنه قال: { وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِىُّ } ولو كان الله خلق الضلال فيهم لم يكن لفعل السامري فيه أثر وكان يبطل قوله: { وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِىُّ } وأيضاً فلأن موسى عليه السلام لما طالبهم بذكر سبب تلك الفتنة قال: { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّكُمْ } فلو حصل ذلك بخلق الله تعالى لكان لهم أن يقولوا السبب فيه أن الله خلقه فينا لا ما ذكرت فكان يبطل تقسيم موسى عليه السلام وأيضاً فقال: { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّكُمْ } ولو كان ذلك بخلقه لاستحال أن يغضب عليهم فيما هو الخالق له ولما بطل ذلك وجب أن يكون لقوله: { فَتَنَّا } معنى آخر وذلك لأن الفتنة قد تكون بمعنى الامتحان. يقال: فتنت الذهب بالنار إذا امتحنته بالنار لكي يتميز الجيد من الرديء فههنا شدد الله التكليف عليهم وذلك لأن السامري لما أخرج لهم ذلك العجل صاروا مكلفين بأن يستدلوا بحدوث جملة العالم والأجسام على أن لها إلهاً ليس بجسم وحينئذ يعرفون أن العجل لا يصلح للإلهية فكان هذا التعبد تشديداً في التكليف فكان فتنة والتشديد في التكليف موجود قال تعالى:أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [العنكبوت: 2] هذا تمام كلام المعتزلة قال الأصحاب: ليس في ظهور صوت عن عجل متخذ من الذهب شبهة أعظم مما في الشمس والقمر والدليل الذي ينفي كون الشمس والقمر إلهاً أولى بأن ينفي كون ذلك العجل إلهاً فحينئذ لا يكون حدوث ذلك العجل تشديداً في التكليف فلا يصح حمل الآية عليه فوجب حمله على خلق الضلال فيهم، قولهم: أضاف الإضلال إلى السامري قلنا: أليس أن جميع المسببات العادية تضاف إلى أسبابها في الظاهر وإن كان الموجد لها هو الله تعالى فكذا ههنا وأيضاً قرىء وأضلهم السامري أي وأشدهم ضلالاً السامري وعلى هذا لا يبقى للمعتزلة الاستدلال، ثم الذي يحسم مادة الشغب التمسك بفصل الداعي على ما سبق تقريره في هذا الكتاب مراراً كثيرة. المسألة الثانية: المراد بالقوم ههنا هم الذين خلفهم مع هـٰرون عليه السلام على ساحل البحر وكانوا ستمائة ألف افتتنوا بالعجل غير أثني عشر ألفاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6