الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } * { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } * { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ }

واعلم أن في قوله: { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى } دلالة على أن موسى عليه السلام في تلك الحالة كثر مستجيبوه. فأراد الله تعالى تمييزهم من طائفة فرعون وخلاصهم فأوحى إليه أن يسري بهم ليلاً، والسري اسم لسير الليل والإسراء مثله، فإن قيل: ما الحكمة في أن يسري بهم ليلاً، قلنا لوجوه: أحدها: أن يكون اجتماعهم لا بمشهد من العدو فلا يمنعهم عن استكمال مرادهم في ذلك. وثانيها: ليكون عائقاً عن طلب فرعون ومتبعيه. وثالثها: ليكون إذا تقارب العسكران لا يرى عسكر موسى عسكر فرعون فلا يهابوهم، أما قوله: { فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِى ٱلْبَحْرِ يَبَساً } ففيه وجهان: الأول: أي فاجعل لهم من قولهم ضرب له في ماله سهماً، وضرب اللبن عمله. والثاني: بين لهم طريقاً في البحر بالضرب بالعصا وهو أن يضرب البحر بالعصا حتى ينفلق، فعدى الضرب إلى الطريق. والحاصل أنه أريد بضرب الطريق جعل الطريق بالضرب يبساً ثم بين تعالى أن جميع أسباب الأمن كان حاصلاً في ذلك الطريق. أحدها: أنه كان يبساً قرىء يابساً ويبساً بفتح الياء وتسكين الباء فمن قال: يابساً جعله بمعنى الطريق ومن قال يبساً بتحريك الباء فاليبس واليابس شيء واحد والمعنى طريقاً أيبس. ومن قال: يبساً بتسكين الباء فهو مخفف عن اليبس، والمراد أنه ما كان فيه وحل ولا نداوة فضلاً عن الماء. وثانيها: قوله: { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } أي لا تخاف أن يدركك فرعون فإني أحول بينك وبينه بالتأخير، قال سيبويه: قوله: { تَخَافُ } رفعه على وجهين: أحدهما: على الحال كقولك غير خائف ولا خاش. والثاني: على الإبتداء أي أنت لا تخاف وهذا قول الفراء، قال الأخفش والزجاج: المعنى لا تخاف فيه كقوله:وَٱتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ } [البقرة: 48] أي لا تجزي فيه نفس وقرأ حمزة لا تخف وفيه وجهان. أحدهما: أنه نهي. والثاني: قال أبو علي: جعله جواب الشرط على معنى إن تضرب لا تخف وعلى هذه القراءة ذكروا في قوله: { وَلاَ تَخْشَىٰ } ثلاثة أوجه. أحدهما: أن يستأنف كأنه قيل وأنت لا تخشى أي ومن شأنك أنك آمن لا تخشى. وثانيها: أن لا تكون الألف هي الألف المنقلبة عن الياء التي هي لام الفعل ولكن زائدة للإطلاق من أجل الفاصلة كقوله تعالى:فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ } [الأحزاب: 67]وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } [الأحزاب: 10]. وثالثها: أن يكون مثل قوله:
[وتضحك مني شيخة عبشمية]   كأن لم ترى قبلي أسيراً يمانياً
وثالثها: قوله: { وَلاَ تَخْشَىٰ } والمعنى أنك لا تخاف إدراك فرعون ولا تخشى الغرق بالماء أما قوله: { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ } قال أبو مسلم: زعم رواة اللغة أن أتبعهم وتبعهم واحد وذلك جائز ويحتمل أن تكون الباء زائدة والمعنى أتبعهم فرعون جنوده كقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4