الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } * { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } * { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ } * { قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ }

اعلم أنه تعالى لما صبر رسوله عليه السلام على ما يقولون، وأمره بأن يعدل إلى التسبيح أتبع ذلك بنهيه عن مد عينيه إلى ما متع به القوم فقال تعالى: { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: في قوله: { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } وجهان: أحدهما: المراد منه نظر العين وهؤلاء قالوا: مد النظر تطويله وأن لا يكاد يرده استحساناً للمنظور إليه إعجاباً به كما فعل نظارة قارون حيث قالوا:يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَـٰرُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيمٍ } [القصص: 79] حتى واجههم أولوا العلم والإيمان بقولهم:وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } [القصص: 80] وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه وذلك كما إذا نظر الإنسان إلى شيء مرة ثم غض، ولما كان النظر إلى الزخارف كالمركوز في الطباع قيل: { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } أي لا تفعل ما أنت معتاد له. ولقد شدد المتقون في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة وعدد الفسقة في اللباس والمركوب وغير ذلك لأنهم اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة، فالناظر إليها محصل لغرضهم وكالمقوى لهم على اتخاذها. القول الثاني: قال أبو مسلم الذي نهى عنه بقوله: { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } ليس هو النظر، بل هو الأسف أي لا تأسف على ما فاتك مما نالوه من حظ الدنيا. المسألة الثانية: قال أبو رافع: «نزل ضيف بالنبي صلى الله عليه وسلم فبعثني إلى يهودي لبيع أو سلف، فقال: والله لا أفعل ذلك إلا برهن فأخبرته بقوله فأمرني أن أذهب بدرعه إليه فنزل قوله تعالى: { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } » وقال عليه السلام: " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم " وقال أبو الدرداء: الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له. وعن الحسن: لولا حمق الناس لخربت الدنيا. وعن عيسى ابن مريم عليه السلام قال: لا تتخذوا الدنيا رباً فتتخذكم لها عبيداً، وعن عروة بن الزبير أنه كان إذا رآى ما عند السلاطين يتلو هذه الآية، وقال الصلاة يرحمكم الله، أما قوله عز وجل: { إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ } [أي] ألذذنا به، والإمتاع الإلذاذ بما يدرك من المناظر الحسنة ويسمع من الأصوات المطربة ويشم من الروائح الطيبة وغير ذلك من الملابس والمناكح، يقال أمتعه إمتاعاً ومتعه تمتيعاً والتفعيل يقتضي التكثير، أما قوله: { أَزْوٰجاً مّنْهُمْ } أي أشكالاً وأشباهاً من الكفار وهي من المزاوجة بين الأشياء وهي المشاكلة، وذلك لأنهم أشكال في الذهاب عن الصواب، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أصنافاً منهم، وقال الكلبي والزجاج: رجالاً منهم، أما قوله: { زَهْرَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } ففي انتصابه أربعة أوجه.

السابقالتالي
2 3 4