الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } * { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } * { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } * { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } * { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ }

اعلم أن على أول هذه الآية سؤالاً وهو أن قوله: { ٱهْبِطَا } ، إما أن يكون خطاباً مع شخصين أو أكثر فإن كان خطاباً لشخصين فكيف قال بعده: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى } وهو خطاب الجمع وإن كان خطاباً لأكثر من شخصين فكيف قال: { ٱهْبِطَا } وذكروا في جوابه وجوهاً: أحدها: قال أبو مسلم: الخطاب لآدم ومعه ذريته ولإبليس ومعه ذريته فلكونهما جنسين صح قوله: { ٱهْبِطَا } ولأجل اشتمال كل واحد من الجنسين على الكثرة صح قوله: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم } قال صاحب «الكشاف»: لما كان آدم وحواء عليهما السلام أصلا للبشر والسبب اللذين منهما تفرعوا جعلا كأنهما البشر أنفسهم فخوطبا مخاطبتهم فقال: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم } على لفظ الجماعة، أما قوله: { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } فقال القاضي: يكفي في توفية هذا الظاهر حقه أن يكون إبليس والشياطين أعداء للناس والناس أعداء لهم، فإذا انضاف إلى ذلك عداوة بعض الفريقين لبعض لم يمتنع دخوله في الكلام، وقوله: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ } فيه دلالة على أن المراد الذرية، وقد اختلفوا في المراد بالهدى، فقال بعضهم: الرسل وبعضهم قال: الآخر والأدلة وبعضهم قال القرآن، والتحقيق أن الهدى عبارة عن الدلالة فيدخل فيه كل ذلك، وفي قوله: { فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } دلالة على أن المراد بالهدى الذي ضمن الله على اتباعه ذلك اتباع الأدلة، واتباعها لا يتكامل إلا بأن يستدل بها وبأن يعمل بها، ومن هذا حاله فقد ضمن الله تعالى له أن لا يضل ولا يشقى، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. وثانيها: لا يضل ولا يشقى في الآخرة لأنه تعالى يهديه إلى الجنة ويمكنه فيها. وثالثها: لا يضل ولا يشقى في الدنيا فإن قيل: المتبع لهدى الله قد يحلقه الشقاء في الدنيا، قلنا: المراد لا يضل في الدين ولا يشقى بسبب الدين فإن حصل الشقاء بسبب آخر فلا بأس، ولما وعد الله تعالى من يتبع الهدى أتبعه بالوعيد فيمن أعرض، فقال: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي } والذكر يقع على القرآن وعلى سائر كتب الله تعالى على ما تقدم بيانه ويحتمل أن يراد به الأدلة، وقوله: { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } فالضنك أصله الضيق والشدة وهو مصدر ثم يوصف به فيقال: منزل ضنك، وعيش ضنك، فكأنه قال: معيشة ذات ضنك، واعلم أن هذا الضيق المتوعد به إما أن يكون في الدنيا أو في القبر أو في الآخرة أو في الدين أو في كل ذلك أو أكثره. أما الأول: فقال به جمع من المفسرين وذلك لأن المسلم لتوكله على الله يعيش في الدنيا عيشاً طيباً كما قال:

السابقالتالي
2 3