الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } * { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } * { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ }

واعلم أنه سبحانه بين أنه عظم آدم عليه السلام بأن جعله مسجوداً للملائكة وبين أنه عرفه شدة عداوة إبليس له ولزوجه وأنه لعداوته يدعوهم إلى المعصية التي إذا وقعت زالت تلك النعم بأسرها، ثم إنه مع ذلك اتفق منه ومن حواء الإقدام على الزلة ما اتفق، والعجب ما روي عن أبي أمامة الباهلي قال: «لو أن أحلام بني آدم إلى قيام الساعة وضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في الأخرى لرجح حلمه بأحلامهم» ولكن المكادحة مع قضاء الله تعالى ممتنعة، واعلم أن واقعة آدم عجيبة وذلك لأن الله تعالى رغبه في دوام الراحة وانتظام المعيشة بقوله:فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ * إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } [طه: 117 ـ 119] ورغبه إبليس أيضاً في دوام الراحة بقوله: { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } وفي انتظام المعيشة بقوله: { وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } فكان الشيء الذي رغب الله آدم فيه هو الذي رغبه إبليس فيه إلا أن الله تعالى وقف ذلك على الاحتراس عن تلك الشجرة وإبليس وقفه على الإقدام عليها، ثم إن آدم عليه السلام مع كمال عقله وعلمه بأن الله تعالى مولاه وناصره ومربيه أعلمه بأن إبليس عدوه حيث امتنع من السجود له وعرض نفسه للعنة بسبب عداوته، كيف قبل في الواقعة الواحدة والمقصود الواحد قول إبليس مع علمه بكمال عداوته له وأعرض عن قول الله تعالى مع علمه بأنه هو الناصر والمربي. ومن تأمل في هذا الباب طال تعجبه وعرف آخر الأمر أن هذه القصة كالتنبيه على أنه لا دافع لقضاء الله ولا مانع منه، وأن الدليل وإن كان في غاية الظهور ونهاية القوة فإنه لا يحصل النفع به إلا إذا قضى الله تعالى ذلك وقدره. وأما قوله: { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَـٰنُ } فقد تقدم في سورة البقرة أنه كيف وسوس، وبماذا وسوس. فإن قيل: كيف عدى وسوس تارة باللام في قوله:فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ } [الأعراف: 20] وأخرى بإلى؟ قلنا قوله: { فوسوس له } معناه لأجله وقوله: { وسوس إِلَيْهِ } معناه أنهى إليه الوسوسة كقوله حدث له وأسر إليه ثم بين أن تلك الوسوسة كانت بتطميعه في أمرين: أحدهما: قوله: { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود لأن من أكل منها صار مخلداً بزعمه. الثاني: قوله: { وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } أي من أكل من هذه الشجرة دام ملكه، قال القاضي: ليس في الظاهر أن آدم قبل ذلك منه بل لو وجدت هذه الوسوسة حال كون آدم عليه السلام نبياً لاستحال أن يكون آدم عليه السلام قبل ذلك منه، لأنه لا بد وأن تحصل بين حال التكليف وحال المجازاة فترة بالموت، وبالمعنى فآدم لما كان نبياً امتنع أن لا يعلم ذلك.

السابقالتالي
2 3 4