الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } * { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } * { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } * { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } * { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } * { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً }

اعلم أنه تعالى لما وصف أمر يوم القيامة حكى سؤال من لم يؤمن بالحشر فقال: { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } وفي تقرير هذا السؤال وجوه. أحدها: أن قوله:يَتَخَـٰفَتُونَ } [طه: 103] وصف من الله تعالى لكل المجرمين بذلك، فكأنهم قالوا: كيف يصح ذلك والجبال حائلة ومانعة من هذا التخافت وثانيها: قال الضحاك: نزلت في مشركي مكة قالوا: يا محمد كيف تكون الجبال يوم القيامة؟ وكان سؤالهم على سبيل الاستهزاء. وثالثها: لعل قومه قالوا: يا محمد إنك تدعي أن الدنيا ستنقضي فلو صح ما قلته لوجب أن تبتدىء أولاً بالنقصان ثم تنتهي إلى البطلان، لكن أحوال العالم باقية كما كانت في أول الأمر، فكيف يصح ما قلته من خراب الدنيا؟ وهذه شبهة تمسك بها جالينوس في أن السموات لا تفنى، قال: لأنها لو فنيت لابتدأت في النقصان أولاً حتى ينتهي نقصانها إلى البطلان، فلما لم يظهر فيها النقصان علمنا أن القول بالبطلان باطل، ثم أمر الله تعالى رسوله بالجواب عن هذا السؤال وضم إلى الجواب أموراً أخر في شرح أحوال القيامة وأهوالها. الصفة الأولى: قوله: { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً } وفيه مسائل: المسألة الأولى: إنما قال: { فَقُلْ } مع فاء التعقيب لأن مقصودهم من هذا السؤال الطعن في الحشر والنشر، فلا جرم أمره بالجواب مقروناً بفاء التعقيب. لأن تأخير البيان في مثل هذه المسألة الأصولية غير جائز، أما في المسائل الفروعية فجائزة، لذلك ذكر هناك قل من غير حرف التعقيب. المسألة الثانية: الضمير في قوله: { يَنسِفُهَا } عائد إلى الجبال والنسف التذرية، أي تصير الجبال كالهباء المنثور تذرى تذرية فإذا زالت الجبال الحوائل فيعلم صدق قوله: { يَتَخَـٰفَتُونَ } قال الخليل: { يَنسِفُهَا } أي يذهبها ويطيرها، أما الضمير في قوله: { فَيَذَرُهَا } فهو عائد إلى الأرض فاستغنى عن تقديم ذكرها كما في عادة الناس من الإخبار عنها بالإضمار كقولهم: ما عليها أكرم من فلان وقال تعالى: { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ } وإنما قال: { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } ليبين أن ذلك النسف لا يزيل الاستواء لئلا يقدر أنها لما زالت من موضع إلى موضع آخر صارت هناك حائلة، هذا كله إذا كان المقصود من سؤالهم الاعتراض على كيفية المخافتة، أما لو كان الغرض من السؤال ما ذكرنا من أنه لا نقصان فيها في الحال فوجب أن لا ينتهي أمرها إلى البطلان، كان تقرير الجواب: أن بطلان الشيء قد يكون بطلاناً يقع توليدياً، فحينئذ يجب تقديم النقصان على البطلان وقد يكون بطلاناً يقع دفعة واحدة، وههنا لا يجب تقديم النقصان على البطلان، فبين الله تعالى أنه يفرق تركيبات هذا العالم الجسماني دفعة بقدرته ومشيئته فلا حاجة ههنا إلى تقديم النقصان على البطلان.

السابقالتالي
2 3 4 5