الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

اعلم أن هذه الآية دالة على كيفية خلقة آدم عليه السلام وعلى كيفية تعظيم الله تعالى إياه فيكون ذلك إنعاماً عاماً على جميع بني آدم فيكون هذا هو النعمة الثالثة من تلك النعم العامة التي أوردها في هذا الموضع ثم فيه مسائل: المسألة الأولى: في إذ قولان: أحدهما: أنه صلة زائدة إلا أن العرب يعتادون التكلم بها والقرآن نزل بلغة العرب. الثاني: وهو الحق أنه ليس في القرآن ما لا معنى له وهو نصب بإضمار اذكر، والمعنى أذكر لهم قال ربك للملائكة فأضمر هذا لأمرين: أحدهما: أن المعنى معروف. والثاني: أن الله تعالى قد كشف ذلك في كثير من المواضع كقوله:وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ } [الأحقاف: 21] وقال:وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ } [صۤ: 17]،وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَـٰبَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا ٱلْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ } [يس: 13، 14] والقرآن كله كالكلمة الواحدة ولا يبعد أن تكون هذه المواضع المصرحة نزلت قبل هذه السورة فلا جرم ترك ذلك ههنا اكتفاء بذلك المصرح. قال صاحب «الكشاف»: ويجوز أن ينتصب «إذ» بقالوا. المسألة الثانية: الملك أصله من الرسالة، يقال ألكني إليه أي أرسلني إليه والمألكة والألوكة الرسالة وأصله الهمزة من «ملأكة» حذفت الهمزة وألقيت حركتها على ما قبلها طلباً للخفة لكثرة استعمالها، قال صاحب «الكشاف»: الملائك جمع ملأك على الأصل كالشمائل في جمع شمأل وإلحاق التاء لتأنيث الجمع. المسألة الثالثة: من الناس من قال: الكلام في الملائكة ينبغي أن يكون مقدماً على الكلام في الأنبياء لوجهين: الأول: أن الله تعالى قدم ذكر الإيمان بالملائكة على ذكر الإيمان بالرسل في قوله:وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } [المؤمنون: 285] ولقد قال عليه السلام: " ابدؤا بما بدأ الله به " الثاني: أن الملك واسطة بين الله وبين الرسول في تبليغ الوحي والشريعة فكان مقدماً على الرسول، ومن الناس من قال: الكلام في النبوات مقدم على الكلام في الملائكة لأنه لا طريق لنا إلى معرفة وجود الملائكة بالعقل بل بالسمع، فكان الكلام في النبوات أصلاً للكلام في الملائكة فلا جرم وجب تقديم الكلام في النبوات، والأولى أن يقال الملك قبل النبي بالشرف والعلية وبعده في عقولنا وأذهاننا بحسب وصولنا إليها بأفكارنا. واعلم أنه لا خلاف بين العقلاء في أن شرف الرتبة للعالم العلوي هو وجود الملائكة فيه كما أن شرف الرتبة للعالم السفلى هو وجود الإنسان فيه إلا أن الناس اختلفوا في ماهية الملائكة وحقيقتهم وطريق ضبط المذاهب أن يقال: الملائكة لا بدّ وأن تكون ذوات قائمة بأنفسها ثم إن تلك الذوات إما أن تكون متحيزة أولا تكون، أما الأول: وهو أن تكون الملائكة ذوات متحيزة فهنا أقوال: أحدها: أنها أجسام لطيفة هوائية تقدر على التشكل بأشكال مختلفة مسكنها السموات، وهذا قول أكثر المسلمين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد