في الآية مسائل: المسألة الأولى: في عامل { إِذْ } قولان قال الزَّجّاج التقدير: اذكر إذ قال إبراهيم، وقال غيره إنه معطوف على قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِى حَاجَّ إِبْرٰهِيمَ } ألم تر إذ حاج إبراهيم في ربه، وألم تر إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى. المسألة الثانية: أنه تعالى لم يسم عزيراً حين قال:{ أَوْ كَٱلَّذِى مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } [البقرة: 259] وسمى هٰهنا إبراهيم مع أن المقصود من البحث في كلتا القصتين شيء واحد، والسبب أن عزيراً لم يحفظ الأدب، بل قال: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } وإبراهيم حفظ الأدب فإنه أثنى على الله أولاً بقوله { رَبّ } ثم دعا حيث قال: { أَرِنِى } وأيضاً أن إبراهيم لما راعى الأدب جعل الإحياء والإماتة في الطيور، وعزيراً لما لم يراع الأدب جعل الإحياء والإماتة في نفسه. المسألة الثالثة: ذكروا في سبب سؤال إبراهيم وجوهاً الأول: قال الحسن والضحاك وقتادة وعطاء وابن جريج: أنه رأى جيفة مطروحة في شط البحر فإذا مد البحر أكل منها دواب البحر، وإذا جزر البحر جاءت السباع فأكلت، وإذا ذهبت السباع جاءت الطيور فأكلت وطارت، فقال إبراهيم: رب أرني كيف تجمع أجزاء الحيوان من بطون السباع والطيور ودواب البحر، فقيل: أو لم تؤمن قال بلى ولكن المطلوب من السؤال أن يصير العلم بالاستدلال ضرورياً. الوجه الثاني: قال محمد بن إسحاق والقاضي: سبب السؤال أنه مع مناظرته مع نمروذ لما قال: { رَبّيَ ٱلَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْىِ وَأُمِيتُ } فأطلق محبوساً وقتل رجلاً قال إبراهيم: ليس هذا بإحياء وإماتة، وعند ذلك قال: { رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } لتنكشف هذه المسألة عند نمروذ وأتباعه، وروي عن نمرود أنه قال: قل لربك حتى يحيي وإلا قتلتك، فسأل الله تعالى ذلك، وقوله { لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى } بنجاتي من القتل أو ليطمئن قلبي بقوة حجتي وبرهاني، وإن عدولي منها إلى غيرها ما كان بسبب ضعف تلك الحجة، بل كان بسبب جهل المستمع. والوجه الثالث: قال ابن عباس وسعيد بن جُبَيْر والسُّدّي رضي الله عنهم: أن الله تعالى أوحى إليه إني متخذ بشراً خليلاً: فاستعظم ذلك إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وقال إلٰهي ما علامات ذلك؟ فقال: علامته أنه يحيي الميت بدعائه، فلما عظم مقام إبراهيم عليه السلام في درجات العبودية وأداء الرسالة، خطر بباله: إني لعلي أن أكون ذلك الخليل، فسأل إحياء الميت فقال الله { أَوَلَمْ تُؤْمِنُ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى } على أنني خليل لك. الوجه الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم إنما سأل ذلك لقومه وذلك أتباع الأنبياء كانوا يطالبونهم بأشياء تارة باطلة وتارة حقة، كقولهم لموسى عليه السلام: