الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ }

الحكـم السادس عشرحكم المحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى اعلم أنه سبحانه وتعالى لما بين للمكلفين ما بين من معالم دينه، وأوضح لهم من شرائع شرعه أمرهم بعد ذلك بالمحافظة على الصلوات وذلك لوجوه أحدها: أن الصلاة لما فيها من القراءة والقيام والركوع والسجود والخضوع والخشوع تفيد انكسار القلب من هيبة الله تعالى، وزوال التمرد عن الطبع، وحصول الانقياد لأوامر الله تعالى والانتهاء عن مناهيه، كما قال:إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } [العنكبوت: 45] والثاني: أن الصلاة تذكر العبد جلالة الربوبية وذلة العبودية وأمر الثواب والعقاب فعند ذلك يسهل عليه الانقياد للطاعة ولذلك قال:ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ } [البقرة: 45] والثالث: أن كل ما تقدم من بيان النكاح والطلاق والعدة اشتغال بمصالح الدنيا، فأتبع ذلك بذكر الصلاة التي هي مصالح الآخرة، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: أجمع المسلمون على أن الصلاة المفروضة خمسة، وهذه الآية التي نحن في تفسيرها دالة على ذلك، لأن قوله: { حَـٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوٰتِ } يدل على الثلاثة من حيث أن أقل الجمع ثلاثة، ثم إن قوله تعالى: { والصلاة الوسطى } يدل على شيء أزيد من الثلاثة، وإلا لزم التكرار، والأصل عدمه، ثم ذلك الزائد يمتنع أن يكون أربعة، وإلا فليس لها وسطى، فلا بد وأن ينضم إلى تلك الثلاثة عدد آخر يحصل به للمجموع وسط، وأقل ذلك أن يكون خمسة، فهذه الآية دالة على وجوب الصلوات الخمسة بهذا الطريق، واعلم أن هذا الاستدلال إنما يتم إذا بينا أن المراد من الوسطى ما تكون وسطى في العدد لا ما تكون وسطى بسبب الفضيلة ونبين ذلك بالدليل إن شاء الله تعالى إلا أن هذه الآية وإن دلت على وجوب الصلوات الخمس لكنها لا تدل على أوقاتها، والآيات الدالة على تفصيل الأوقات أربع: الآية الأولى: قوله:فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون } [الروم: 17، 18] وهذه الآية أبين آيات المواقيت فقوله: { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } أي سبحوا الله معناه صلوا لله حين تمسون، أراد به صلاة المغرب والعشاء { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } أراد صلاة الصبحوَعَشِيّاً } [مريم: 11] أراد به صلاة العصر { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } صلاة الظهر. الآية الثانية: قوله:أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ } [الإسراء: 78] أراد بالدلوك زوالها فدخل فيه صلاة الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ثم قال: { أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ } أراد صلاة الصبح. الآية الثالثة: قوله:وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ ءَانَاء ٱلَّيْلِ فَسَبّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ } [طهۤ: 130] فمن الناس من قال: هذه الآية تدل على الصلوات الخمس، لأن الزمان إما أن يكون قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها، فالليل والنهار داخلان في هاتين اللفظتين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9