الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

اعلم أنه سبحانه وتعالى لما أمرنا في الآية السالفة بتناول الحلال فصل في هذه الآية أنواع الحرام، والكلام فيها على نوعين النوع الأول: ما يتعلق بالتفسير والنوع الثاني: ما يتعلق بالأحكام التي استنبطها العلماء من هذه الآية «فالنوع الأول» فيه مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن كلمة { إِنَّمَا } على وجهين أحدهما: أن تكون حرفاً واحداً، كقولك: إنما داري دارك، وإنما مالي مالك الثاني: أن تكون ما منفصلة من: إن، وتكون ما بمعنى الذي، كقولك: إن ما أخذت مالك، وإن ما ركبت دابتك، وجاء في التنزيل على الوجهين، أما على الأول فقوله:إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ وَإِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ } [هود: 12] وأما على الثاني فقوله:إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ } [طه: 69] ولو نصبت كيد ساحر على أن تجعل { إِنَّمَا } حرفاً واحداً كان صواباً، وقوله:إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَـٰناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ } [العنكبوت: 25] تنصب المودة وترفع على هذين الوجهين، واختلفوا في حكمها على الوجه الأول، فمنهم من قال { إِنَّمَا } تفيد الحصر واحتجو عليه بالقرآن والشعر والقياس، أما القرآن فقوله تعالى:إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } [النساء: 171] أي ما هو إلا إله واحد، وقال:إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلْفُقَرَاءِ وَٱلْمَسَـٰكِينِ } [التوبة: 60] أي لهم لا لغيرهم وقال تعالى لمحمد:قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [الكهف: 110] أي ما أنا إلا بشر مثلكم، وكذا هذه الآية فإنه تعالى قال في آية أخرىقُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ } [الأنعام: 145] فصارت الآيتان واحدة فقوله: { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ } في هذه الآية مفسر لقوله: { قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا } إلا كذا في تلك الآية، وأما الشعر فقوله الأعشى:
ولست بالأكثر منهم حصى   وإنما العزة للكاثر
وقول الفرزق:
أنا الذائد الحامي الذمار وإنما   يدافع عن أحسابه أنا أو مثلى
وأما القياس، فهو أن كلمة { إن } للإثبات وكلمة { مَا } للنفي فإذا اجتمعا فلا بد وأن يبقيا على أصليهما فإما أن يفيدا ثبوت غير المذكور، ونفي المذكور وهو باطل بالاتفاق، أو ثبوت المذكور، ونفي غير المذكور وهو المطلوب، واحتج من قال: إنه لا يفيد الحصر بقوله تعالى: { إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ } ولقد كان غيره نذيراً، وجوابه معناه: ما أنت إلا نذير فهو يفيد الحصر، ولا ينفي وجود نذير آخر. المسألة الثانية: قرىء { حَرَّمَ } على البناء للفاعل و { حُرِمَ } للبناء للمفعول و { حَرَّمَ } بوزن كرم. المسألة الثالثة: قال الواحدي: الميتة ما فارقته الروح من غير زكاة مما يذبح، وأما الدم فكانت العرب تجعل الدم في المباعر وتشويها ثم تأكلها، فحرم الله الدم وقوله: { لَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ } أراد الخنزير بجميع أجزائه، لكنه خص اللحم لأنه المقصود بالأكل وقوله: { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } قال الأصمعي: الإهلال أصله رفع الصوت فكل رافع صوته فهو مهل، وقال ابن أحمر:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد