الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } * { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }

واعلم أنه تعالى لما قال من قبل:فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَـٰطِينَ } [مريم:68] ثم قال:ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ } [مريم: 68] أردفه بقوله: { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } يعني جهنم واختلفوا فقال بعضهم المراد من تقدم ذكره من الكفار فكنى عنهم أولاً كناية الغيبة ثم خاطب خطاب المشافهة، قالوا: إنه لا يجوز للمؤمنين أن يردوا النار ويدل عليه أمور: أحدها: قوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [الأنبياء: 101] والمبعد عنها لا يوصف بأنه واردها. والثاني: قوله:لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا } [الأنبياء: 102] ولو وردوا جهنم لسمعوا حسيسها. وثالثها: قوله:وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءامِنُونَ } [النحل: 89] وقال الأكثرون: إنه عام في كل مؤمن وكافر لقوله تعالى: { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } فلم يخص. وهذا الخطاب مبتدأ مخالف للخطاب الأول، ويدل عليه قوله: { ثُمَّ نُنَجّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أي من الواردين من اتقى ولا يجوز أن يقال: { ثُمَّ نُنَجّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } إلا والكل واردون والأخبار المروية دالة على هذا القول، ثم هؤلاء اختلفوا في تفسير الورود فقال بعضهم: الورود الدنو من جهنم وأن يصيروا حولها وهو موضع المحاسبة، واحتجوا على أن الورود قد يراد به القرب بقوله تعالى:فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } [يوسف: 19] ومعلوم أن ذلك الوارد ما دخل الماء وقال تعالى:وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ } [القصص: 23] وأراد به القرب. ويقال: وردت القافلة البلدة وإن لم تدخلها فعلى هذا معنى الآية أن الجن والإنس يحضرون حول جهنم: { كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } [مريم: 71] أي واجباً مفروغاً منه بحكم الوعيد ثم ننجي أي نبعد الذين اتقوا عن جهنم وهو المراد من قوله تعالى:أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [الأنبياء: 101] ومما يؤكد هذا القول ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية فقالت حفصة: أليس الله يقول: { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } فقال عليه السلام فمه ثم ننجي الذين اتقوا " ولو كان الورود عبارة عن الدخول لكان سؤال حفصة لازماً. القول الثاني: أن الورود هو الدخول ويدل عليه الآية والخبر، أما الآية فقوله تعالى:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [الأنبياء: 98] وقال:فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ المورود } [هود: 98] ويدل عليه قوله تعالى: { أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } والمبعد هو الذي لولا التبعيد لكان قريباً فهذا إنما يحصل لو كانوا في النار، ثم إنه تعالى يبعدهم عنها ويدل عليه قوله تعالى: { وَّنَذَرُ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } وهذا يدل على أنهم يبقون في ذلك الموضع الذي وردوه وهم إنما يبقون في النار فلا بد وأن يكونوا قد دخلوا النار، وأما الخبر فهو أن عبد الله بن رواحة قال:« أخبر الله عن الورود ولم يخبر بالصدور، فقال عليه السلام:

السابقالتالي
2 3