الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً }

فيه مسائل: المسألة الأولى: اختلفوا في من المنادي بقوله: يا زكريا، فالأكثرون على أنه هو الله تعالى وذلك لأن ما قبل هذه الآية يدل على أن زكريا عليه السلام إنما كان يخاطب الله تعالى ويسأله وهو قوله:رَبّ إِنّى وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنّي } [مريم: 4] وقوله:وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً } [مريم: 4] وقوله:فَهَبْ لِي } [مريم: 5] وما بعدها يدل على أنه كان يخاطب الله تعالى وهو يقول:رَبّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَـٰمٌ } [آل عمران:40] وإذا كان ما قبل هذه الآية وما بعدها خطاباً مع الله تعالى وجب أن يكون النداء من الله تعالى وإلا لفسد النظم، ومنهم من قال هذا نداء الملك واحتج عليه بوجهين. الأول: قوله تعالى في سورة آل عمران:فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّى فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } [آل عمران: 39]. الثاني: أن زكريا عليه السلام لما قال:أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَـٰمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً * قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيّنٌ } [مريم: 8، 9] وهذا لا يجوز أن يكون كلام الله فوجب أن يكون كلام الملك. والجواب عن الأول: أنه يحتمل أن يقال حصل النداءان نداء الله ونداء الملائكة. وعن الثاني: أنا نبين إن شاء تعالى أن قوله: { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيّنٌ } يمكن أن يكون كلام الله. المسألة الثانية: فإن قيل إن كان الدعاء بإذن فما معنى البشارة، وإن كان بغير إذن فلماذا أقدم عليه؟ والجواب هذا أمر يخصه فيجوز أن يسأل بغير إذن، ويحتمل أنه أذن له فيه ولم يعلم وقته فبشر به. المسألة الثالثة: اختلف المفسرون في قوله: { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } على وجهين: أحدهما: وهو قول ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة أنه لم يسم أحد قبله بهذا الاسم. الثاني: أن المراد بالسمي النظير كما في قوله:هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: 65] واختلفوا في ذلك على وجوه. أحدها: أنه سيد وحصور لم يعص ولم يهم بمعصية كأنه جواب لقوله:وَٱجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً } [مريم: 6] فقيل له إنا نبشرك بغلام لم نجعل له من قبل شبيهاً في الدين، ومن كان هكذا فهو في غاية الرضا. وهذا الوجه ضعيف لأنه يقتضي تفضيله على الأنبياء الذين كانوا قبله كآدم ونوح وإبراهيم وموسى وذلك باطل بالإتفاق. وثانيها: أن كل الناس إنما يسميهم آباؤهم وأمهاتهم بعد دخولهم في الوجود، وأما يحيى عليه السلام فإن الله تعالى هو الذي سماه قبل دخوله في الوجود فكان ذلك من خواصه فلم يكن له مثل وشبيه في هذه الخاصية.

السابقالتالي
2