الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } * { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } * { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً }

اعلم أن إبراهيم عليه السلام لما دعا أباه إلى التوحيد، وذكر الدلالة على فساد عبادة الأوثان، وأردف تلك الدلالة بالوعظ البليغ، وأورد كل ذلك مقروناً باللطف والرفق، قابله أبوه بجواب يضاد ذلك، فقابل حجته بالتقليد، فإنه لم يذكر في مقابلة حجته إلا قوله: { أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ الِهَتِى يٰإِبْرٰهِيمُ } فأصر على ادعاء إلهيتها جهلاً وتقليداً وقابل وعظه بالسفاهة حيث هدده بالضرب والشتم، وقابل رفقه في قوله:يا أبت } [مريم: 44] بالعنف حيث لم يقل له يا بني بل قال: { يا إِبْرَاهِيمَ } وإنما حكى الله تعالى ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم ليخفف على قلبه ما كان يصل إليه من أذى المشركين فيعلم أن الجهال منذ كانوا على هذه السيرة المذمومة، أما قوله: { أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ الِهَتِى يٰإِبْرٰهِيمُ } فإن كان ذلك على وجه الاستفهام فهو خذلان لأنه قد عرف منه ما تكرر منه من وعظه وتنبيهه على الدلالة وهو يفيد أنه راغب عن ذلك أشد رغبة فما فائدة هذا القول. وإن كان ذلك على سبيل التعجب فأي تعجب في الإعراض عن حجة لا فائدة فيها، وإنما التعجب كله من الإقدام على عبادتها فإن الدليل الذي ذكره إبراهيم عليه السلام كما أنه يبطل جواز عبادتها فهو يفيد التعجب من أن العاقل كيف يرضى بعبادتها فكأن أباه قابل ذلك التعجب الظاهر المبني على الدليل بتعجب فاسد غير مبني على دليل وشبهة، ولا شك أن هذا التعجب جدير بأن يتعجب منه، أما قوله: { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِى مَلِيّاً } ففيه مسائل: المسألة الأولى: في الرجم ههنا قولان: الأول: أنه الرجم باللسان، وهو الشتم والذم، ومنه قوله:وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } [النور: 4] أي بالشتم، ومنه الرجيم، أي المرمي باللعن، قال مجاهد: الرجم في القرآن كله بمعنى الشتم. والثاني: أنه الرجم باليد، وعلى هذا التقدير ذكروا وجوهاً: أحدها: لأرجمنك بإظهار أمرك للناس ليرجموك ويقتلوك. وثانيها: لأرجمنك بالحجارة لتتباعد عني. وثالثها: عن المؤرج لأقتلنك بلغة قريش. ورابعها: قال أبو مسلم لأرجمنك المراد منه الرجم بالحجارة إلا أنه قد يقال ذلك في معنى الطرد والإبعاد اتساعاً، ويدل على أنه أراد الطرد قوله تعالى: { وَٱهْجُرْنِى مَلِيّاً } واعلم أن أصل الرجم هو الرمي بالرجام فحمله عليه أولى، فإن قيل: أفما يدل قوله تعالى: { وَٱهْجُرْنِى مَلِيّاً } على أن المراد به الرجم بالشتم؟ قلنا: لا، وذلك لأنه هدده بالرجم إن بقي على قربه منه وأمره أن يبعد هرباً من ذلك فهو في معنى قوله: { وَٱهْجُرْنِى مَلِيّاً }. المسألة الثانية: في قوله تعالى: { وَٱهْجُرْنِى مَلِيّاً } قولان: أحدهما: المراد واهجرني بالقول.

السابقالتالي
2 3