الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }

اعلم أن قوله: { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } فيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ المدنيون وأبو عمرو بفتح أن، ومعناه ولأنه ربي وربكم فاعبدوه، وقرأ الكوفيون وأبو عبيدة بالكسر على الابتداء، وفي حرف أبي { إِنَّ ٱللَّهَ } بالكسر من غير واو أي بسبب ذلك فاعبدوه. المسألة الثانية: أنه لا يصح أن يقول الله: { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } فلا بد وأن يكون قائل هذا غير الله تعالى، وفيه قولان: الأول: التقدير فقل يا محمد إن الله ربي وربكم بعد إظهار البراهين الباهرة في أن عيسى هو عبد الله. الثاني: قال أبو مسلم الأصفهاني: الواو في وإن الله عطف على قول عيسى عليه السلام:إِنّى عَبْدُ ٱللَّهِ ءاتَانِىَ الكتاب } [مريم: 30] كأنه قال: إني عبد الله وإنه ربي وربكم فاعبدوه، وقال وهب بن منبه عهد إليهم حين أخبرهم عن بعثه ومولده ونعته أن الله ربي وربكم أي كلنا عبيد الله تعالى. المسألة الثالثة: قوله: { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ } يدل على أن مدبر الناس ومصلح أمورهم هو الله تعالى على خلاف قول المنجمين إن مدبر الناس ومصلح أمورهم في السعادة والشقاوة هي الكواكب ويدل أيضاً على أن الإله واحد لأن لفظ الله اسم علم له سبحانه فلما قال: { إِنَّ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ } أي لا رب للمخلوقات سوى الله تعالى وذلك يدل على التوحيد، أما قوله: { فَٱعْبُدُوهُ } فقد ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية فههنا الأمر بالعبادة وقع مرتباً على ذكر وصف الربوبية فدل على أنه إنما تلزمنا عبادته سبحانه لكونه رباً لنا، وذلك يدل على أنه تعالى إنما تجب عبادته لكونه منعماً على الخلائق بأصول النعم وفروعها، ولذلك فإن إبراهيم عليه السلام لما منع أباه من عبادة الأوثان قال: { لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً } يعني أنها لما لم تكن منعمة على العباد لم تجز عبادتها، وبهذه الآية ثبت أن الله تعالى لما كان رباً ومربياً لعباده وجب عبادته، فقد ثبت طرداً وعكساً تعلق العبادة بكون المعبود منعماً، أما قوله: { هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } يعني القول بالتوحيد ونفي الولد والصاحبة صراط مستقيم وأنه سمي هذا القول بالصراط المستقيم تشبيهاً بالطريق لأنه المؤدي إلى الجنة، أما قوله تعالى: { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } ففي الأحزاب أقوال: الأول: المراد فرق النصارى على ما بينا أقسامهم. الثاني: المراد النصارى واليهود فجعله بعضهم ولداً وبعضهم كذاباً. الثالث: المراد الكفار الداخل فيهم اليهود والنصارى والكفار الذين كانوا في زمن محمد صلى الله عليه وسلم وإذا قلنا المراد بقوله: { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } أي قل يا محمد إن الله ربي وربكم، فهذا القول أظهر لأنه لا تخصيص فيه، وكذا قوله: { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } مؤكد لهذا الاحتمال، وأما قوله: { مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } فالمشهد إما أن يكون هو الشهود وما يتعلق به أو الشهادة وما يتعلق بها.

السابقالتالي
2 3