الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } * { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }

وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ عاصم وابن عامر: { قَوْلَ ٱلْحَقّ } بالنصب وعن ابن مسعود: { قَالَ ٱلْحَقّ } و { قَالَ ٱللَّهُ } وعن الحسن: { قَوْلَ ٱلْحَقّ } بضم القاف وكذلك في الأنعام قوله: { ٱلْحَقّ } والقول والقال القول في معنى واحد كالرهب والرهب والرهب، أما ارتفاعه فعلى أنه خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف، وأما انتصابه فعلى المدح إن فسر بكلمة الله أو على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة كقولك هو عند الله الحق لا الباطل، والله أعلم. المسألة الثانية: لا شبهة أن المراد بقوله: { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } الإشارة إلى ما تقدم وهو قوله:إِنّى عَبْدُ ٱللَّهِ ءاتَانِىَ الكتاب } [مريم: 30] أي ذلك الموصوف بهذه الصفات هو عيسى ابن مريم وفي قوله: { عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } إشارة إلى أنه ولد هذه المرأة وابنها لا أنه ابن الله. فأما قوله { ٱلْحَقّ } ففيه وجوه: أحدها: وهو أن نفس عيسى عليه السلام هو قول الحق وذلك لأن الحق هو اسم الله فلا فرق بين أن نقول عيسى كلمة الله وبين أن نقول عيسى قول الحق. وثانيها: أن يكون المراد: «ذلك عيسى ابن مريم القول الحق» إلا أنك أضفت الموصوف إلى الصفة فهو كقوله:إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } [الواقعة: 95] وفائدة قولك: القول الحق تأكيد ما ذكرت أولاً من كون عيسى عليه السلام ابناً لمريم. وثالثها: أن يكون { قَوْلَ ٱلْحَقّ } خبراً لمبتدأ محذوف كأنه قيل ذلك عيسى ابن مريم ووصفنا له هو قول الحق فكأنه تعالى وصفه أولاً ثم ذكر أن هذا الموصوف هو عيسى ابن مريم ثم ذكر أن هذا الوصف أجمع هو قول الحق على معنى أنه ثابت لا يجوز أن يبطل كما بطل ما يقع منهم من المرية ويكون في معنى إن هذا لهو الحق اليقين. فأما امتراؤهم في عيسى عليه السلام فالمذاهب التي حكيناها من قول اليهود والنصارى وقد تقدم ذكر ذلك في سورة آل عمران، روي أن عيسى عليه السلام لما رفع حضر أربعة من أكابرهم وعلمائهم فقيل للأول ما تقول في عيسى؟ فقال: هو إله والله إله وأمه إله، فتابعه على ذلك ناس وهم الإسرائيلية، وقيل للرابع ما تقول؟ فقال: هو عبد الله ورسوله وهو المؤمن المسلم، وقال أما تعلمون أن عيسى كان يطعم وينام وأن الله تعالى لا يجوز عليه ذلك؟ فخصمهم. أما قوله: { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } فهو يحتمل أمرين: أحدهما: أن ثبوت الولد له محال فقولنا: { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } كقوله ما كان لله أن يقول لأحد إنه ولدي لأن هذا الخبر كذب والكذب لا يليق بحكمة الله تعالى وكماله فقوله: { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } كقولنا: ما كان لله أن يظلم أي لا يليق ذلك بحكمته وكمال إلهيته، واحتج الجبائي بالآية بناء على هذا التفسير أنه ليس لله أن يفعل كل شيء لأنه تعالى صرح بأنه ليس له هذا الإيجاد أي ليس له هذا الاختيار وأجاب أصحابنا عنه بأنه الكذب محال على الله تعالى فلا جرم قال: { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } أما قوله: { سُبْحَـٰنَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } ففيه مسائل: المسألة الأولى: أنه تعالى لما قال { سُبْحَـٰنَهُ } ثم قال عقيبه: { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } كان كالحجة على تنزيهه عن الولد وبيان ذلك أن الذي يجعل ولداً لله، إما أن يكون قديماً أزلياً أو يكون محدثاً فإن كان أزلياً فهو محال لأنه لو كان واجباً لذاته لكان واجب الوجود أكثر من واحد.

السابقالتالي
2 3