الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } * { قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }

اعلم أن تلك القرية هي أنطاكية وقيل هي الأيلة وههنا سؤالات: الأول: إن الاستطعام ليس من عادة الكرام فكيف أقدم عليه موسى وذلك العالم لأن موسى كان من عادته عرض الحاجة وطلب الطعام ألا ترى أنه تعالى حكى عنه أنه قال في قصة موسى عند ورود ماء مدين:رَبّ إِنّى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [القصص: 24]. الجواب: أن إقدام الجائع على الاستطعام أمر مباح في كل الشرائع بل ربما وجب ذلك عند خوف الضرر الشديد. السؤال الثاني: لم قال: { حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا } وكان من الواجب أن يقال استطعما منهم، والجواب أن التكرير قد يكون للتأكيد كقول الشاعر:
ليت الغراب غداة ينعب دائما   كان الغراب مقطع الأوداج
السؤال الثالث: إن الضيافة من المندوبات فتركها ترك للمندوب وذلك أمر غير منكر فكيف يجوز من موسى عليه السلام مع علو منصبه أنه غضب عليهم الغضب الشديد الذي لأجله ترك العهد الذي التزمه مع ذلك العالم في قوله: { إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْء بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى } وأيضاً مثل هذا الغضب لأجل ترك الأكل في ليلة واحدة لا يليق بأدون الناس فضلاً عن كليم الله. الجواب: أما قوله الضيافة من المندوبات قلنا: قد تكون من المندوبات، وقد تكون من الواجبات بأن كان الضيف قد بلغ في الجوع إلى حيث لو لم يأكل لهلك وإذا كان التقدير ما ذكرناه لم يكن الغضب الشديد لأجل ترك الأكل يوماً، فإن قالوا: ما بلغ في الجوع إلى حد الهلاك بدليل أنه قال: { لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } وكان يطلب على إصلاح ذلك الجدار أجرة، ولو كان قد بلغ في الجوع إلى حد الهلاك لما قدر على ذلك العمل فكيف يصح منه طلب الأجرة قلنا لعل ذلك الجوع كان شديداً إلا أنه ما بلغ حد الهلاك، ثم قال تعالى: { فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا } وفيه بحثان: البحث الأول: يضيفوهما يقال ضافه إذا كان له ضيفاً، وحقيقته مال إليه من ضاف السهم عن الغرض. ونظيره: زاره من الإزورار، وأضافه وضيفه أنزله، وجعله ضيفه، وعن النبي صلى الله عليه وسلم " كانوا أهل قرية لئاماً. " البحث الثاني: رأيت في كتب الحكايات أن أهل تلك القرية لما سمعوا نزول هذه الآية استحيوا وجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمل من الذهب وقالوا: يا رسول الله نشتري بهذا الذهب أن تجعل الباء تاءاً حتى تصير القراءة هكذا: فأتوا أن يضيفوهما. أي أتوا لأن يضيفوهما، أي كان إتيان أهل تلك القرية إليهما لأجل الضيافة، وقالوا: غرضنا منه أن يندفع عنا هذا اللؤم فامتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:

السابقالتالي
2