الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } * { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } * { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن قوله تعالى: { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا } معطوف على قوله:لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مّن لَّدُنْهُ } [الكهف: 2] والمعطوف يجب كونه مغايراً للمعطوف عليه فالأول عام في حق كل من استحق العذاب. والثاني خاص بمن أثبت لله ولداً، وعادة القرآن جارية بأنه إذا ذكر قضية كلية عطف عليها بعض جزئياتها تنبيهاً على كونه أعظم جزئيات ذلك الكلي كقوله تعالى:وَمَلـئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ } [البقرة: 98] فكذا ههنا العطف يدل على أن أقبح أنواع الكفر والمعصية إثبات الولد لله تعالى. المسألة الثانية: الذين أثبتوا الولد لله تعالى ثلاث طوائف. أحدها: كفار العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الله. وثانيها: النصارى حيث قالوا: المسيح ابن الله. وثالثها: اليهود الذين قالوا: عزيز ابن الله، والكلام في أن إثبات الولد لله كفر عظيم ويلزم منه محالات عظيمة قد ذكرناه في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى:وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام: 100] وتمامه مذكور في سورة مريم، ثم إنه تعالى أنكر على القائلين بإثبات الولد لله تعالى من وجهين. الأول: قوله: { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبائهم } فإن قيل اتخاذ الله ولداً محال في نفسه فكيف قيل { ما لهم به من علم }؟ قلنا: انتفاء العلم بالشيء قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه، وقد يكون لأنه في نفسه محال لا يمكن تعلق العلم به. ونظيره قوله:وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا ءاخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } [المؤمنون: 117] واعلم أن نفاة القياس تمسكوا بهذه الآية فقالوا: هذه الآية تدل على أن القول في الدين بغير علم باطل، والقول بالقياس الظني قول في الدين بغير علم فيكون باطلاً وتمام تقريره مذكور في قوله:وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء: 36] وقوله: { وَلاَ لآبائهم } أي ولا أحد من أسلافهم، وهذا مبالغة في كون تلك المقالة باطلة فاسدة. النوع الثاني: مما ذكره الله في إبطاله قوله: { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } وفيه مباحث: البحث الأول: قرىء: { كَبُرَتْ كَلِمَةً } بالنصب على التمييز وبالرفع على الفاعلية، قال الواحدي ومعنى التمييز أنك إذا قلت كبرت المقالة أو الكلمة جاز أن يتوهم أنها كبرت كذباً أو جهلاً أو افتراء، فلما قلت كلمة ميزتها من محتملاتها فانتصبت على التمييز والتقدير كبرت الكلمة كلمة فحصل فيه الإضمار، أما من رفع فلم يضمر شيئاً كما تقول عظم فلان فلذلك قال النحويون والنصب أقوى وأبلغ، وفيه معنى التعجب كأنه قيل ما أكبرها كلمة. البحث الثاني: قوله: { كَبُرَتْ } أي كبرت الكلمة. والمراد من هذه الكلمة ما حكاه الله تعالى عنهم في قوله: { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا } فصارت مضمرة في كبرت وسميت كلمة كما يسمون القصيدة كلمة.

السابقالتالي
2 3