الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } * { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } * { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }

اعلم أنه تعالى لما بين خساسة الدنيا وشرف القيامة أردفه بأحوال القيامة فقال: { وَيَوْمَ نُسَيّرُ ٱلْجِبَالَ } والمقصود منه الرد على المشركين الذي افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة الأموال والأعوان واختلفوا في الناصب لقوله: { وَيَوْمَ نُسَيّرُ ٱلْجِبَالَ } على وجوه: أحدها: أنه يكون التقدير واذكر لهم: { يَوْمٍ نُسَيّرُ ٱلْجِبَالَ } عطفاً على قوله:وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } [الكهف: 45]. الثاني: أنه يكون التقدير: { وَيَوْمَ نُسَيّرُ ٱلْجِبَالَ } حصل كذا وكذا يقال لهم: { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } لأن القول مضمر في هذا الموضع فكان المعنى أنه يقال لهم: هذا في هذا الموضع. الثالث: أن يكون التقدير { خَيْرٌ أَمَلاً } في { يَوْمٍ نُسَيّرُ ٱلْجِبَالَ } والأول أظهر. إذا عرفت هذا فنقول: إنه ذكر في الآية من أحوال القيامة أنواعاً. النوع الأول: قوله: { وَيَوْمَ نُسَيّرُ ٱلْجِبَالَ } وفيه بحثان: البحث الأول: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر تسير على فعل ما لم يسم فاعله الجبال بالرفع بإسناد تسير إليه اعتباراً بقوله تعالى:وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيّرَتْ } [التكوير: 3] والباقون نسير باسناد فعل التسيير إلى نفسه تعالى و الجبال بالنصب لكونه مفعول نسير، والمعنى نحن نفعل بها ذلك اعتباراً بقوله: { وَحَشَرْنَـٰهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } والمعنى واحد لأنها إذا سيرت فمسيرها ليس إلا الله سبحانه. ونقل صاحب " الكشاف " قراءة أخرى وهي تسير الجبال بإسناد تسير إلى الجبال. البحث الثاني: قوله: { وَيَوْمَ نُسَيّرُ ٱلْجِبَالَ } ليس في لفظ الآية ما يدل على أنها إلى أين تسير، فيحتمل أن يقال: إنه تعالى يسيرها إلى الموضع الذي يريده ولم يبين ذلك الموضع لخلقه والحق أن المراد أنه تعالى يسيرها إلى العدم لقوله تعالى:وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً } [طه: 105 ـ 107] ولقوله:وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً } [الواقعة: 5، 6] و النوع الثاني: من أحوال القيامة قوله تعالى: { وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } وفي تفسيره وجوه: أحدها: أنه لم يبق على وجهها شيء من العمارات، ولا شيء من الجبال، ولا شيء من الأشجار، فبقيت بارزة ظاهرة ليس عليها ما يسترها، وهو المراد من قوله: { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً }. وثانيها: أن المراد من كونها بارزة أنها أبرزت ما في بطنها وقذفت الموتى المقبورين فيها فهي بارزة الجوف والبطن فحذف ذكر الجوف، ودليله قوله تعالى:وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } [الانشقاق: 4] وقوله:وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [الزلزلة: 2] وقوله: { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا }. وثالثها: أن وجوه الأرض كانت مستورة بالجبال والبحار، فلما أفنى الله تعالى الجبال والبحار فقد برزت وجوه تلك البقاع بعد أن كانت مستورة.

السابقالتالي
2 3 4