الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } * { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً }

اعلم أن المراد أنه قال بعضهم لبعض: { وَإِذَا ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ } واعتزلتم الشيء الذي يعبدونه إلا الله فإنكم لم تعتزلوا عبادة الله: { فَأْوُواْ إِلَى ٱلْكَهْفِ } قال الفراء هو جواب إذ كما تقول إذ فعلت كذا فافعل كذا، ومعناه: إذهبوا إليه واجعلوه مأواكم: { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ } أي يبسطها عليكم: { وَيُهَيّىء لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا } قرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية مرفقاً بفتح الميم وكسر الفاء والباقون مرفقاً بكسر الميم وفتح الفاء، قال الفراء: وهما لغتان واشتقاقهما من الارتفاق، وكان الكسائي ينكر في مرفق الإنسان الذي في اليد إلا كسر الميم وفتح الفاء، والفراء يجيزه في الأمر وفي اليد وقيل هما لغتان إلا أن الفتح أقيس والكسر أكثر وقيل المرفق ما ارتفقت به، والمرفق بالفتح المرافق ثم قال تعالى: { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشّمَالِ } وفيه مباحث: البحث الأول: قرأ ابن عامر تَزْوَرُّ ساكنة الزاي المعجمة مشددة الراء مثل تحمر، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي تزاور بالألف والتخفيف والباقون تزاور بالتشديد والألف والكل بمعنى واحد، والتزاور هو الميل والانحراف، ومنه زاره إذا مال إليه والزور الميل عن الصدق، وأما التشديد فأصله تتزاور سكنت التاء الثانية وأدغمت في الزاي، وأما التخفيف فهو تفاعل من الزور وأما تزور فهو من الازورار. البحث الثاني: قوله: { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ } أي أنت أيها المخاطب ترى الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم وليس المراد أن من خوطب بهذا يرى هذا المعنى ولكن العادة في المخاطبة تكون على هذا النحو، ومعناه أنك لو رأيته على هذه الصورة. البحث الثالث: قوله: { ذَاتَ ٱلْيَمِينِ } أي جهة اليمين وأصله أن ذات صفة أقيمت مقام الموصوف لأنها تأنيث ذو في قولهم رجل ذو مال، وامرأة ذات مال، والتقدير كأنه قيل تزاور عن كهفهم جهة ذات اليمين، وأما قوله: { وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشّمَالِ } ففيه بحثان: البحث الأول: قال الكسائي قرضت المكان أي عدلت عنه وقال أبو عبيدة القرض في أشياء فمنها القطع، وكذلك السير في البلاد أي إذا قطعها. تقول لصاحبك هل وردت مكان كذا فيقول المجيب إنما قرضته فقوله: { تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشّمَالِ } أي تعدل عن سمت رؤوسهم إلى جهة الشمال. البحث الثاني: للمفسرين ههنا قولان: القول الأول: أن باب ذلك الكهف كان مفتوحاً إلى جانب الشمال فإذا طلعت الشمس كانت على يمين الكهف وإذا غربت كانت على شماله فضوء الشمس ما كان يصل إلى داخل الكهف، وكان الهواء الطيب والنسيم الموافق يصل، والمقصود أن الله تعالى صان أصحاب الكهف من أن يقع عليهم ضوء الشمس وإلا لفسدت أجسامهم فهي مصونة عن العفونة والفساد.

السابقالتالي
2