الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } * { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً }

فيه مسائل: المسألة الأولى: في كيفية النظم وجوه. الأول: اعلم أنه تعالى لما ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في محنة عظيمة من قومه وأهل زمانه، بين أن حال الأنبياء مع أهل زمانهم كذلك. ألا ترى أن أول الأولياء هو آدم، ثم إنه كان في محنة شديدة من إبليس. الثاني: أن القوم إنما نازعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاندوه واقترحوا عليه الاقتراحات الباطلة لأمرين الكبر والحسد، أما الكبر فلأن تكبرهم كان يمنعهم من الإنقياد، وأما الحسد فلأنهم كانوا يحسدونه على ما آتاه الله من النبوة والدرجة العالية، فبين تعالى أن هذا الكبر والحسد هما اللذان حملا إبليس على الخروج من الإيمان والدخول في الكفر، فهذه بلية قديمة ومحنة عظيمة للخلق. والثالث: أنه تعالى لما وصفهم بقوله:فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً } [الإسراء: 60] بين ما هو السبب لحصول هذا الطغيان وهو قول إبليس { لأحتنكن ذريته إلا قليلاً } فلأجل هذا المقصود ذكر الله تعالى قصة إبليس وآدم، فهذا هو الكلام في كيفية النظم. المسألة الثانية: اعلم أن هذه القصة قد ذكرها الله تعالى في سور سبعة، وهي: البقرة والأعراف والحجر وهذه السورة والكهف وطه وص والكلام المستقصى فيها قد تقدم في البقرة والأعراف والحجر فلا فائدة في الإعادة ولا بأس بتعديد بعض المسائل: المسألة الأولى: اختلفوا في أن المأمورين بالسجود لآدم أهم جميع الملائكة أم ملائكة الأرض على التخصيص، فظاهر لفظ الملائكة يفيد العموم إلا أن قوله تعالى في آخر سورة الأعراف في صفة ملائكة السمواتوله يسجدون } [الأعراف: 206] يوجب خروج ملائكة السموات من هذا العموم. المسألة الثانية: أن المراد من هذه السجدة وضع الجبهة على الأرض أو التحية، وعلى التقدير الأول فآدم كان هو المسجود له أو يقال كان المسجود له هو الله تعالى وآدم كان قبلة للسجود؟ المسألة الثالثة: أن إبليس هل هو من الملائكة أم لا؟ وإن لم يكن من الملائكة فأمر الملائكة بالسجود كيف يتناوله؟ المسألة الرابعة: هل كان إبليس كافراً من أول الأمر أو يقال إنما كفر في ذلك الوقت؟ المسألة الخامسة: الملائكة سجدوا لآدم من أول ما كملت حياته أو بعد ذلك. المسألة السادسة: شبهة إبليس في الامتناع من السجود أهو قوله: { أأسجد لمن خلقت طيناً } أو غيره. المسألة السابعة: دلت هذه الآيات على أن إبليس كان عارفاً بربه، إلا أنه وقع في الكفر بسبب الكبر والحسد، ومنهم من أنكر وقال ما عرف الله ألبتة. المسألة الثامنة: ما سبب حكمة إمهال إبليس وتسليطه على الخلق بالوسوسة؟ ولنرجع إلى التفسير فنقول: إنه تعالى حكى في هذه الآية عن إبليس نوعاً واحداً من العمل ونوعين من القول، أما العمل فهو أنه لم يسجد لآدم وهو المراد من قوله: { فسجدوا إلا إبليس } وأما النوعان من القول؟ فأولهما: قوله: { أأسجد لمن خلقت طيناً } وهذا استفهام بمعنى الإنكار معناه أن أصلي أشرف من أصله فوجب أن أكون أنا أشرف منه، والأشرف يقبح في العقول أمره بخدمة الأدنى.

السابقالتالي
2 3