الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } * { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } * { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً }

اعلم أنه تعالى لما ذكر إنعامه على بني إسرائيل بإنزال التوراة عليهم، وبأنه جعل التوراة هدى لهم، بين أنهم ما اهتدوا بهداه، بل وقعوا في الفساد فقال: { وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ } وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: القضاء في اللغة عبارة عن قطع الأشياء عن إحكام، ومنه قوله:فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } [فصلت: 12] وقول الشاعر:
وعليهما مسرودتان قضاهما   داود........
فقوله: { وَقَضَيْنَا } أي أعلمناهم وأخبرناهم بذلك وأوحينا إليهم. ولفظ { إِلَىٰ } صلة للإيحاء، لأن معنى قضينا أوحينا إليهم كذا. وقوله: { لَتُفْسِدُنَّ } يريد المعاصي وخلاف أحكام التوراة وقوله: { فِى ٱلأَرْضِ } يعني أرض مصر وقوله: { وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } يعني أنه يكون استعلاؤكم على الناس بغير الحق استعلاء عظيماً، لأنه يقال لكل متجبر: قد علا وتعظم، ثم قال: { فَإِذَا جَآء وَعْدُ أُولَـٰهُمَا } يعني أولى المرتين: { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ } والمعنى: أنه إذا جاء وعد الفساق في المرة الأولى أرسلنا عليكم قوماً أولى بأس شديد، ونجدة وشدة، والبأس القتال، ومنه قوله تعالى:وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } [البقرة: 177] ومعنى { بعثنا عليكم } أرسلنا عليكم، وخلينا بينكم وبينهم خاذلين إياكم، واختلفوا في أن هؤلاء العباد من هم؟ قيل: إن بني إسرائيل تعظموا وتكبروا واستحلوا المحارم وقتلوا الأنبياء وسفكوا الدماء، وذلك أول الفسادين فسلط الله عليهم بختنصر فقتل منهم أربعين ألفاً ممن يقرأ التوراة وذهب بالبقية إلى أرض نفسه فبقوا هناك في الذل إلى أن قيض الله ملكاً آخر غزا أهل بابل واتفق أن تزوج بامرأة من بني إسرائيل فطلبت تلك المرأة من ذلك الملك أن يرد بني إسرائيل إلى بيت المقدس ففعل، وبعد مدة قامت فيهم الأنبياء ورجعوا إلى أحسن ما كانوا، فهو قوله: { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ }. والقول الثاني: إن المراد من قوله: { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا } أن الله تعالى سلط عليهم جالوت حتى أهلكهم وأبادهم وقوله: { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ } هو أنه تعالى قوى طالوت حتى حارب جالوت ونصر داود حتى قتل جالوت فذاك هو عود الكرة. والقول الثالث: إن قوله: { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا } هو أنه تعالى ألقى الرعب من بني إسرائيل في قلوب المجوس، فلما كثرت المعاصي فيهم أزال ذلك الرعب عن قلوب المجوس فقصدوهم وبالغوا في قتلهم وإفنائهم وإهلاكهم. واعلم أنه لا يتعلق كثير غرض في معرفة أولئك الأقوام بأعيانهم، بل المقصود هو أنهم لما أكثروا من المعاصي سلط عليهم أقواماً قتلوهم وأفنوهم. ثم قال تعالى: { فَجَاسُواْ خِلَـٰلَ ٱلدّيَارِ } قال الليث: الجوس والجوسان التردد خلال الديار، والبيوت في الفساد، والخلال هو الانفراج بين الشيئين، والديار ديار بيت المقدس، واختلفت عبارات المفسرين في تفسير جاسوا فعن ابن عباس فتشوا وقال أبو عبيدة: طلبوا من فيها.

السابقالتالي
2