الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً } * { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً }

اعلم أنه تعالى جمع في هذه الآية خمسة وعشرين نوعاً من التكاليف. فأولها: قوله:وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ } [الإسراء: 22] وقوله:وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ } [الإسراء: 23] مشتمل على تكليفين: الأمر بعبادة الله تعالى، والنهي عن عبادة غير الله، فكان المجموع ثلاثة. وقوله:وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } [الإسراء: 23] هو الرابع، ثم ذكر في شرح ذلك الإحسان خمسة أخرى وهي: قوله:فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ٱرْحَمْهُمَا } [الإسراء: 23، 24] فيكون المجموع تسعة، ثم قال: { وَءاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } وهو ثلاثة فيكون المجموع إثني عشر. ثم قال:وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا } [الإسراء: 26] فيصير ثلاثة عشر. ثم قال: { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا } وهو الرابع عشر ثم قال:وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } [الإسراء: 28، 29] إلى آخر الآية وهو الخامس عشر، ثم قال:وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ } [الإسراء: 31] وهو السادس عشر، ثم قال: { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ } وهو السابع عشر ثم قال: { وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَـٰناً } وهو الثامن عشر، ثم قال:فَلاَ يُسْرِف فّى ٱلْقَتْلِ } [الإسراء: 33] وهو التاسع عشر، ثم قال:وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ } [الإسراء: 34] وهو العشرون. ثم قال: { وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ } وهو الحادي والعشرون، ثم قال:وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ } [الإسراء: 35] وهو الثاني والعشرون، ثم قال:وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء: 36] وهو الثالث والعشرون، ثم قال:وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأَرْضِ مَرَحًا } [الإسراء: 37] وهو الرابع والعشرون، ثم قال: { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ } وهو الخامس والعشرون، فهذه خمسة وعشرون نوعاً من التكاليف بعضها أوامر وبعضها نواه جمعها الله تعالى في هذه الآيات وجعل فاتحتها قوله:وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً } [الإسراء: 22] وخاتمتها قوله:وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا } إذا عرفت هذا فنقول: ههنا فوائد: الفائدة الأولى: قوله: { ذٰلِكَ } إشارة إلى كل ما تقدم ذكره من التكاليف وسماها حكمة، وإنما سماها بهذا الاسم لوجوه: أحدها: أن حاصلها يرجع إلى الأمر بالتوحيد وأنواع الطاعات والخيرات والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة، والعقول تدل على صحتها. فالأتي بمثل هذه الشريعة لا يكون داعياً إلى دين الشيطان بل الفطرة الأصلية تشهد بأنه يكون داعياً إلى دين الرحمن، وتمام تقرير هذا ما نذكره في سورة الشعراء في قوله:هَلْ أُنَبّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَـٰطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ }

السابقالتالي
2 3