الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: قوله: { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } في تفسير هذا الأمر قولان: القول الأول: أن المراد منه الأمر بالفعل، ثم إن لفظ الآية لا يدل على أنه تعالى بماذا يأمرهم فقال الأكثرون: معناه أنه تعالى يأمرهم بالطاعات والخيرات، ثم إنهم يخالفون ذلك الأمر ويفسقون وقال صاحب «الكشاف»: ظاهر اللفظ يدل على أنه تعالى يأمرهم بالفسق فيفسقون، إلا أن هذا مجاز ومعناه أنه فتح عليهم أبواب الخيرات والراحات فعند ذلك تمردوا وطغوا وبغوا قال والدليل على أن ظاهر اللفظ يقتضي ما ذكرناه، أن المأمور به إنما حذف لأن قوله { فَفَسَقُواْ } يدل عليه يقال: أمرته فقام، وأمرته فقرأ لا يفهم منه، إلا أن المأمور به قيام أو قراءة فكذا ههنا لما قال: { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا } وجب أن يكون المعنى أمرناهم بالفسق ففسقوا لا يقال يشكل هذا بقولهم أمرته فعصاني أو فخالفني فإن هذا لا يفهم منه أني أمرته بالمعصية والمخالفة لأنا نقول: إن المعصية منافية للأمر ومناقضة له، فكذلك أمرته ففسق يدل على أن المأمور به شيء غير الفسق لأن الفسق عبارة عن الإتيان بضد المأمور به فكونه فسقاً ينافي كونه مأموراً به، كما أن كونها معصية ينافي كونها مأموراً بها، فوجب أن يدل هذا اللفظ على أن المأمور به ليس بفسق، وهذا الكلام في غاية الظهور فلا أدري لم أصر صاحب «الكشاف» على قوله مع ظهور فساده، فثبت أن الحق ما ذكره الكل وهو أن المعنى أمرناهم بالأعمال الصالحة وهي الإيمان والطاعة والقوم خالفوا ذلك الأمر عناداً وأقدموا على الفسق. القول الثاني: في تفسير قوله: { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } أي أكثرنا فساقها. قال الواحدي: العرب تقول أمر القوم إذا كثروا. وأمرهم الله إذ كثرهم، وآمرهم أيضاً بالمد، روى الجرمي عن أبي زيد أمر الله القوم وآمرهم، أي كثرهم. واحتج أبو عبيدة على صحة هذه اللغة بقوله صلى الله عليه وسلم: " خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة " والمعنى مهرة قد كثر نسلها يقولون: أمر الله المهرة أي كثر ولدها ومن الناس من أنكر أن يكون أمر بمعنى كثر وقالوا أمر القوم إذا كثروا وآمرهم الله بالمد أي كثرهم، وحملوا قوله عليه الصلاة والسلام: " مهر مأمورة " على أن المراد كونها مأمورة بتكثير النسل على سبيل الاستعارة. وأما المترف: فمعناه في اللغة المتنعم الذي قد أبطرته النعمة وسعة العيش { فَفَسَقُواْ فِيهَا } أي خرجوا عما أمرهم الله: { فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ } يريد: استوجبت العذاب، وهذا كالتفسير لقوله تعالى:وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً }

السابقالتالي
2 3 4