الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: أنه تعالى لما قال في الآية الأولى:وَكُلَّ إِنْسَـٰنٍ أَلْزَمْنَـٰهُ طَـٰئِرَهُ فِى عُنُقِهِ } [الإسراء: 13] ومعناه: أن كل أحد مختص بعمل نفسه، عبر عن هذا المعنى بعبارة أخرى أقرب إلى الأفهام وأبعد عن الغلط فقال: { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } يعني أن ثواب العمل الصالح مختص بفاعله، ولا يتعدى منه إلى غيره، ويتأكد هذا بقوله:وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } [النجم: 39، 40] قال الكعبي: الآية دالة على أن العبد متمكن من الخير والشر، وأنه غير مجبور على عمل بعينه أصلاً لأن قوله: { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } إنما يليق بالقادر على الفعل المتمكن منه كيف شاء وأراد، أما المجبور على أحد الطرفين، الممنوع من الطرف الثاني فهذا لا يليق به. المسألة الثانية: أنه تعالى أعاد تقرير أن كل أحد مختص بأثر عل نفسه بقوله: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } قال الزجاج: يقال وزر يزر فهو وازر ووزر وزرا وزرة، ومعناه: أثم يأثم إثماً قال: وفي تأويل الآية وجهان: الأول: أن المذنب لا يؤاخذ بذنب غيره، وأيضاً غيره لا يؤاخذ بذنبه بل كل أحد مختص بذنب نفسه. والثاني: أنه لا ينبغي أن يعمل الإنسان بالإثم، لأن غيره عمله كما قال الكفار:إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } [الزخرف: 32]. واعلم أن الناس تمسكوا بهذه الآية في إثبات أحكام كثيرة. الحكم الأول: قال الجبائي في الآية دلالة على أنه تعالى لا يعذب الأطفال بكفر آبائهم، وإلا لكان الطفل مؤاخذاً بذنب أبيه، وذلك على خلاف ظاهر هذه الآية.الحكم الثاني: روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله " فعائشة طعنت في صحة هذا الخبر، واحتجت على صحة ذلك الطعن بقوله تعالى: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } فإن تعذيب الميت بسبب بكاء أهله أخذ للإنسان بجرم غيره، وذلك خلاف هذه الآية.الحكم الثالث: قال القاضي: دلت هذه الآية على أن الوزر والإثم ليس من فعل الله تعالى. وبيانه من وجوه: أحدها: أنه لو كان كذلك لامتنع أن يؤاخذ العبد به كما لا يؤاخذ بوزر غيره. وثانيها: أنه كان يجب ارتفاع الوزر أصلاً، لأن الوازر إنما يصح أن يوصف بذلك إذا كان مختاراً يمكنه التحرز، ولهذا المعنى لا يوصف الصبي بهذا.الحكم الرابع: أن جماعة من قدماء الفقهاء امتنعوا من ضرب الدية على العاقلة، وقالوا: لأن ذلك يقتضي مؤاخذة الإنسان بسبب فعل الغير، وذلك على مضادة هذه الآية.

السابقالتالي
2 3