الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }

سورة بني إسرائيلعددها: مائة آية وعشر آيات عن ابن عباس أنها مكية، غير قوله:وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ } [الإسراء: 71] إلى قوله:وَٱجْعَل لّى مِن لَّدُنْكَ سُلْطَـٰناً نَّصِيرًا } [الإسراء: 80] فإنها مدنيات، نزلت حين جاء وفد ثقيف. بسم الله الرحمن الرحيم { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـٰتِنَا إِنَّهُ هُوَ السميع البصير }. في الآية مسائل: المسألة الأولى: قال النحويون: { سُبْحَانَ } اسم علم للتسبيح يقال: سبحت الله تسبيحاً وسبحاناً، فالتسبيح هو المصدر، وسبحان اسم علم للتسبيح كقولك: كفرت اليمين تكفيراً وكفراناً وتفسيره تنزيه الله تعالى من كل سوء. قال صاحب «النظم»: السبح في اللغة التباعد، يدل عليه قوله تعالى:إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً } [المزمل: 7] أي تباعداً فمعنى: سبح الله تعالى، أي بعده ونزهه عما لا ينبغي وتمام المباحث العقلية في لفظ التسبيح قد ذكرناها في أول سورة الحديد، وقد جاء في لفظ التسبيح معان آخرى: أحدها: أن التسبيح يذكر بمعنى الصلاة، ومنه قوله تعالى:فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبّحِينَ } [الصافات: 143] أي من المصلين، والسبحة الصلاة النافلة، وإنما قيل للمصلي مسبح، لأنه معظم لله بالصلاة ومنزه له عما لا ينبغي. وثانيها: ورد التسبيح بمعنى الاستثناء في قوله تعالى:قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبّحُونَ } [القلم: 28] أي تستثنون وتأويله أيضاً يعود إلى تعظيم الله تعالى في الاستثناء بمشيئته. وثالثها: جاء في الحديث: " لأحرقت سبحات وجهه ما أدركت من شيء " قيل معناه نور وجهه، وقيل: سبحات وجهه، نور وجهه الذي إذا رآه الرائي قال: سبحان الله، وقوله: { أَسْرَىٰ } قال أهل اللغة: أسرى وسرى لغتان: وقوله: { بِعَبْدِهِ } أجمع المفسرون على أن المراد محمد عليه الصلاة والسلام، وسمعت الشيخ الإمام الوالد عمر بن الحسين رحمه الله قال: سمعت الشيخ الإمام أبا القاسم سليمان الأنصاري قال: لما وصل محمد صلوات الله عليه إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في العارج أوحى الله تعالى إليه: يا محمد بم أشرفك؟ قال:رب بأن تنسبني إلى نفسك بالعبودية } فأنزل الله فيه: { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } وقوله: { لَيْلاً } نصب على الظرف. فإن قيل: الإسراء لا يكون إلا بالليل فما معنى ذكر الليل؟ قلنا: أراد بقوله: { لَيْلاً } بلفظ التنكير تقليل مدة الإسراء وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، وذلك أن التنكير فيه قد دل على معنى البعضية، واختلفوا في ذلك الليل قال مقاتل: كان ذلك الليل قبل الهجرة بسنة، ونقل صاحب «الكشاف» عن أنس والحسن أنه كان ذلك قبل البعثة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7