الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

واعلم أنه تعالى لما استقصى في شرح الوعد والوعيد والترغيب والترهيب أتبعه بقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ } فجمع في هذه الآية ما يتصل بالتكليف فرضاً ونفلاً، وما يتصل بالأخلاق والآداب عموماً وخصوصاً، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: في بيان فضائل هذه الآية روي عن ابن عباس أن عثمان بن مظعون الجمحي قال: ما أسلمت أولاً إلا حياء من محمد عليه السلام ولم يتقرر الإسلام في قلبي فحضرته ذات يوم فبينما هو يحدثني إذ رأيت بصره شخص إلى السماء ثم خفضه عن يمينه، ثم عاد لمثل ذلك فسألته فقال: " بينما أنا أحدثك إذا بجبريل نزل عن يميني فقال: يا محمد إن الله يأمر بالعدل والإحسان، العدل شهادة أن لا إله إلا الله والإحسان القيام بالفرائض وإيتاء ذي القربى، أي صلة ذي القرابة وينهى عن الفحشاء الزنا، والمنكر ما لا يعرف في شريعة ولا سنة والبغي الاستطالة " قال عثمان: فوقع الإيمان في قلبي فأتيت أبا طالب فأخبرته فقال: يا معشر قريش اتبعوا ابن أخي ترشدوا ولئن كان صادقاً أو كاذباً فإنه ما يأمركم إلا بمكارم الأخلاق، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمه اللين قال: يا عماه أتأمر الناس أن يتبعوني وتدع نفسك وجهد عليه، فأبى أن يسلم فنزل قوله:إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص: 56] وعن ابن مسعود رضي الله عنه: إن أجمع آية في القرآن لخير وشر هذه الآية، وعن قتادة ليس من خلق حسن كان في الجاهلية يعمل ويستحب إلا أمر الله تعالى به في هذه الآية وليس من خلق سيء إلا نهى الله عنه في هذه الآية، وروى القاضي في «تفسيره» عن ابن ماجه عن علي عليه السلام أنه قال: أمر الله تعالى نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب، فخرج وأنا معه وأبو بكر فوقفنا على مجلس عليهم الوقار فقال أبو بكر: ممن القوم؟ فقالوا: من شيبان بن ثعلبة فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشهادتين وإلى أن ينصروه فإن قريشاً كذبوه فقال مقرون بن عمرو: إلام تدعونا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ } الآية فقال مقرون بن عمرو: دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك، وعن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية على الوليد فاستعاده، ثم قال: إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته "

السابقالتالي
2 3 4 5 6