الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى مثل الكفار بالأبكم العاجز، ومثل نفسه بالذي يأمر بالعدل، وهو على صراط مستقيم، ومعلوم أنه يمتنع أن يكون آمراً بالعدل، وأن يكون على صراط مستقيم إلا إذا كان كاملاً في العلم والقدرة، وذكر في هذه الآية بيان كونه كاملاً في العلم والقدرة، أما بيان كمال العلم فهو قوله: { ولله غيب السموات والأرض } والمعنى: علم الله غيب السموات والأرض وأيضاً فقوله: { ولله غيب السموات والأرض } يفيد الحصر معناه: أن العلم بهذه الغيوب ليس إلا الله وأما بيان كمال القدرة فقوله: { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } والساعة هي الوقت الذي تقوم فيه القيامة سميت ساعة لأنها تفجأ الإنسان في ساعة فيموت الخلق بصيحة واحدة، وقوله: { إلا كلمح البصر } اللمح النظر بسرعة يقال لمحه ببصره لمحاً ولمحاناً، والمعنى: وما أمر قيام القيامة في السرعة إلا كطرف العين، والمراد منه تقرير كمال القدرة، وقوله: { أو هو أقرب } معناه أن لمح البصر عبارة عن انتقال الجسم المسمى بالطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها، ولا شك أن الحدقة مؤلفة من أجزاء لا تتجزأ، فلمح البصر عبارة عن المرور على جملة تلك الأجزاء التي منها تألف سطح الحدقة، ولا شك أن تلك الأجزاء كثيرة، والزمان الذي يحصل فيه لمح البصر مركب من آنات متعاقبة، والله تعالى قادر على إقامة القيامة في آن واحد من تلك الآنات فلهذا قال: { أو هو أقرب } إلا أنه لما كان أسرع الأحوال والحوادث في عقولنا وأفكارنا هو لمح البصر لا جرم ذكره. ثم قال: { أو هو أقرب } تنبيهاً على ما ذكرناه، ولا شبهة في أنه ليس المراد طريقة الشك، بل المراد. بل هو أقرب، وقال الزجاج: المراد به الإبهام عن المخاطبين أنه تعالى يأتي بالساعة إما بقدر لمح البصر أو بما هو أسرع. قال القاضي: هذا لا يصح، لأن إقامة الساعة ليست حال تكليف حتى يقال إنه تعالى يأتي بها في زمان، بل الواجب أن يخلقها دفعة واحدة في وقت واحد، ويفارق ما ذكرناه في ابتداء خلق السموات والأرض لأن تلك الحال حال تكليف، فلم يمتنع أن يخلقهما كذلك لما فيه من مصحلة الملائكة. واعلم أن هذا الاعتراض إنما يستقيم على مذهب القاضي، أما على قولنا في أنه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فليس له قوة والله أعلم، ثم إنه تعالى عاد إلى الدلائل الدالة على وجود الصانع المختار فقال: { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً } وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي { إمهاتكم } بكسر الهمزة، والباقون بضمها. المسألة الثانية: أمهاتكم أصله أماتكم، إلا أنه زيد الهاء فيه كما زيد في أراق فقيل: إهراق وشذت زيادتها في الواحدة في قوله:

السابقالتالي
2 3