الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

اعلم أنه تعالى لما بين بالدلائل القاهرة فساد أقوال أهل الشرك والتشبيه، شرح في هذه الآية تفاصيل أقوالهم وبين فسادها وسخافتها. فالنوع الأول: من كلماتهم الفاسدة أنهم يجعلون لما لا يعلمون نصيباً وفيه مسالتان: المسألة الأولى: الضمير في قوله: { لما لا يعلمون } إلى ماذا يعود؟ فيه قولان: الأول: أنه عائد إلى المشركين المذكورين في قوله:إذا فريق منكم بربهم يشركون } [النحل: 54] والمعنى أن المشركين لا يعلمون. والثاني: أنه عائد إلى الأصنام أي لا يعلم الأصنام ما يفعل عبادها قال بعضهم: الأول أولى لوجوه: أحدها: أن نفي العلم عن الحي حقيقة وعن الجماد مجاز. وثانيها: أن الضمير في قوله: { ويجعلون } عائد إلى المشركين فكذلك في قوله: { لما لا يعلمون } يجب أن يكون عائد إليهم. وثالثها: أن قوله: { لما لا يعلمون } جمع بالواو والنون. وهو بالعقلاء أليق منه بالأصنام التي هي جمادات، ومنهم من قال بل القول الثاني أولى لوجوه: الأول: أنا إذا قلنا إنه عائد إلى المشركين افتقرنا إلى إضمار، فإن التقدير: ويجعلون لما لا يعلمون إلهاً، أو لما لا يعلمون كونه نافعاً ضاراً، وإذا قلنا إنه عائد إلى الأصنام، لم نفتقر إلى الإضمار لأن التقدير: ويجعلون لما لا علم لها ولا فهم. والثاني: أنه لو كان العلم مضافاً غلى المشركين لفسد المعنى، لأن من المحال أن يجعلوا نصيباً من رزقهم لما لا يعلمونه، فهذا ما قيل في ترجيح أحد هذين القولين على الآخر. واعلم أنا إذا قلنا بالقول الأول افتقرنا فيه إلى الإضمار، وذلك يحتمل وجوهاً: أحدها: ويجعلون لما لا يعلمون له حقاً، ولا يعلمون في طاعته نفعاً ولا في الإعراض عنه ضرراً، قال مجاهد: يعلمون أن الله خلقهم ويضرهم وينفعهم، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنه ينفعهم ويضرهم نصيباً. وثانيها: ويجعلون لما لا يعلمون إلهيتها. وثالثها: ويجعلون لما لا يعلمون السبب في صيرورتها معبودة. ورابعها: المراد استحقار الأصنام حتى كأنها لقلتها لا تعلم. المسألة الرابعة: في تفسير ذلك النصيب احتمالات: الأول: المراد منه أنهم جعلوا لله نصيباً من الحرث والأنعام يتقربون إلى الله تعالى به، ونصيباً إلى الأصنام يتقربون به إليها، وقد شرحنا ذلك في آخر سورة الأنعام. والثاني: أن المراد من هذا النصيب، البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، وهو قول الحسن. والثالث: ربما اعتقدوا في بعض الأشياء أنه إنما حصل بإعانة بعض تلك الأصنام، كما أن المنجمين يوزعون موجودات هذا العالم علىالكواكب السبعة، فيقولون لزحل كذا من المعادن والنبات والحيوانات، وللمشتري أشياء أخرى فكذا ههنا. واعلم أنه تعالى لما حكى عن المشركين هذا المذهب قال: { تالله لتسألن } وهذا في هؤلاء الأقوم خاصة بمنزلة قوله:

السابقالتالي
2 3 4