الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } * { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما خوف المشركين بالأنواع الأربعة المذكورة من العذاب أردفه بذكر ما يدل على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي والسفلي وتدبير أحوال الأرواح والأجسام، ليظهر لهم أن مع كمال هذه القدرة القاهرة، والقوة الغير المتناهية لا يعجز عن إيصال العذاب إليهم على أحد تلك الأقسام الأربعة. المسألة الثانية: قرأ حمزة والكسائي: { أَوَ لَمْ تَرَوْاْ } بالتاء على الخطاب، وكذلك في سورة العنكبوت:أَوَ لَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِىء ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } [العنكبوت: 19] بالتاء على الخطاب، والباقون بالياء فيهما كناية عن الذين مكروا السيئات، وأيضاً أن ما قبله غيبة وهو قوله:أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ } [النحل: 45، 46] فكذا قوله: { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ } وقرأ أبو عمرو وحده: { تتفيؤ } بالتاء والباقون بالياء، وكلاهما جائز لتقدم الفعل على الجمع. المسألة الثالثة: قوله: { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } لما كانت الرؤية ههنا بمعنى النظر وصلت بإلى، لأن المراد به الاعتبار والاعتبار لا يكون بنفس الرؤية حتى يكون معها نظر إلى الشيء وتأمل لأحواله، وقوله: { إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْء } قال أهل المعاني: أراد من شيء له ظل من جبل وشجر وبناء وجسم قائم، ولفظ الآية يشعر بهذا القيد، لأن قوله: { مِن شَيْء يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَـٰلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ } يدل على أن ذلك الشيء كثيف يقع له ظل على الأرض. وقوله: { يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَـٰلُهُ } إخبار عن قوله: { شَيْء } وليس بوصف له، ويتفيأ يتفعل من الفيء يقال: فاء الظل يفيء فيئاً إذا رجع وعاد بعد ما نسخه ضياء الشمس، وأصل الفيء الرجوع، ومنه فيء المولي وذكرنا ذلك في قوله تعالى:فَإِن فاؤا فإن ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [البقرة: 226] وكذلك فيء المسلمين لما يعود على المسلمين من مال من خالف دينهم، ومنه قوله تعالى:مَّا أَفَاء ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ } [الحشر: 6] وأصل هذا كله من الرجوع. إذا عرفت هذا فنقول: إذا عدي فاء فإنه يعدى إما بزيادة الهمزة إو بتضعيف العين. أما التعدية بزيادة الهمزة كقوله: { مَّا أَفَاء ٱللَّهُ } وأما بتضعيف العين فكقوله فيأ الله الظل فتفيأ وتفيأ مطاوع فيأ. قال الأزهري: تفيؤ الظلال رجوعها بعد انتصاف النهار، فالتفيؤ لا يكون إلا بالعشي بعدما انصرفت عنه الشمس والظل ما يكون بالغداة وهو ما لم تنله الشمس كمال قال الشاعر:
فلا الظل من برد الضحى تستطيعه   ولا الفيء من برد العشي تذوق
قال ثعلب: أخبرت عن أبي عبيدة أن رؤبة قال: كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وما لم يكن عليه الشمس فهو ظل، ومنهم من أنكر ذلك، فإن أبا زيد أنشد للنابغة الجعدي:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7