الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: قوله: { فَوَرَبّكَ لَنَسْـئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } يحتمل أن يكون راجعاً إلى المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين، لأن عود الضمير إلى الأقرب أولى، ويكون التقدير أنه تعالى أقسم بنفسه أن يسأل هؤلاء المقتسمين عما كانوا يقولونه من اقتسام القرآن وعن سائر المعاصي، ويحتمل أن يكون راجعاً إلى جميع المكلفين لأن ذكرهم قد تقدم في قوله:وَقُلْ إِنِّى أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } [الحجر: 89] أي لجميع الخلق وقد تقدم ذكر المؤمنين وذكر الكافرين، فيعود قوله: { فَوَرَبِّكَ لَنَسْـئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } على الكل، ولا معنى لقول من يقول إن السؤال إنما يكون عن الكفر أو عن الإيمان، بل السؤال واقع عنهما وعن جميع الأعمال، لأن اللفظ عام فيتناول الكل. فإن قيل: كيف الجمع بين قوله: { لَنَسْـئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } وبين قوله:فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْـئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ } [الرحمن: 39] أجابوا عنه من وجوه: الوجه الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يسئلون سؤال الاستفهام لأنه تعالى عالم بكل أعمالهم، وإنما يسئلون سؤال التقريع يقال لهم لم فعلتم كذا؟ ولقائل أن يقول: هذا الجواب ضعيف، لأنه لو كان المراد من قوله: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْـئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ } سؤال الاستفهام لما كان في تخصيص هذا النفي بقوله يومئذ فائدة لأن مثل هذا السؤال على الله تعالى محال في كل الأوقات. والوجه الثاني: في الجواب أن يصرف النفي إلى بعض الأوقات، والإثبات إلى وقت آخر، لأن يوم القيامة يوم طويل. ولقائل أن يقول: قولهفَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْـئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ } [الرحمن: 39] هذا تصريح بأنه لا يحصل السؤال في ذلك اليوم، فلو حصل السؤال في جزء من أجزاء ذلك اليوم لحصل التناقض. والوجه الثالث: أن نقول: قوله: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْـئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ } يفيد عموم النفي وقوله: { فَوَرَبّكَ لَنَسْـئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } عائد إلى المقتسمين وهذا خاص ولا شك أن الخاص مقدم على العام. أما قوله: { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } فاعلم أن معنى الصدع في اللغة الشق والفصل، وأنشد ابن السكيت لجرير:
هذا الخليفة فارضوا ما قضى لكم   بالحق يصدع ما في قوله حيف
فقال يصدع يفصل، وتصدع القوم إذا تفرقوا، ومنه قوله تعالى:يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [الروم: 43] قال الفراء: يتفرقون. والصدع في الزجاجة الإبانة، أقول ولعل ألم الرأس إنما سمي صداعاً لأن قحف الرأس عند ذلك الألم كأنه ينشق. قال الأزهري: وسمي الصبح صديعاً كما يسمى فلقاً. وقد انصدع وانفلق الفجر وانفطر الصبح. إذا عرفت هذا فقول: { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } أي فرق بين الحق والباطل، وقال الزجاج: فاصدع أظهر ما تؤمر به يقال: صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً كقولك صرح بها، وهذا في الحقيقة يرجع أيضاً إلى الشق والتفريق، أما قوله: { بِمَا تُؤْمَرُ } ففيه قولان: الأول: أن يكون «ما» بمعنى الذي أي بما تؤمر به من الشرائع، فحذف الجار كقوله:

السابقالتالي
2