الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } * { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ }

اعلم أنه تعالى لما أمر رسوله بالزهد في الدنيا، وخفض الجناح للمؤمنين، أمره بأن يقول للقوم: { إِنّى أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } فيدخل تحت كونه نذيراً، كونه مبلغاً لجميع التكاليف، لأن كل ما كان واجباً ترتب على تركه عقاب وكل ما كان حراماً ترتب على فعله عقاب فكان الأخبار بحصول هذا العقاب داخلاً تحت لفظ النذير، ويدخل تحته أيضاً كونه شارحاً لمراتب الثواب والعقاب والجنة والنار، ثم أردفه بكونه مبيناً، ومعناه كونه آتياً في كل ذلك بالبيانات الشافية والبينات الوافية، ثم قال بعده: { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } وفيه بحثان: البحث الأول: اختلفوا في أن المقتسمين من هم؟ وفيه أقوال: القول الأول: قال ابن عباس: هم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقرب عددهم من أربعين. وقال مقاتل بن سليمان: كانوا ستة عشر رجلاً بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم، فاقتسموا عقبات مكة وطرقها يقولون لمن يسلكها لا تغتروا بالخارج منا، والمدعي للنبوة فإنه مجنون، وكانوا ينفرون الناس عنه بأنه ساحر أو كاهن أو شاعر، فأنزل الله تعالى بهم خزياً فماتوا شر ميتة، والمعنى: أنذرتكم مثل ما نزل بالمقتسمين. والقول الثاني: وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما في بعض الروايات أن المقتسمين هم اليهود والنصارى، واختلفوا في أن الله تعالى لم سماهم مقتسمين؟ فقيل لأنهم جعلوا القرآن عضين آمنوا بما وافق التوراة وكفروا بالباقي. وقال عكرمة: لأنهم اقتسموا القرآن استهزاء به، فقال بعضهم: سورة كذا لي. وقال بعضهم: سورة كذا لي. وقال مقاتل بن حبان: اقتسموا القرآن فقال بعضهم سحر. وقال بعضهم شعر، وقال بعضهم كذب، وقال بعضهم: أساطير الأولين. والقول الثالث: في تفسير المقتسمين. قال ابن زيد: هم قوم صالح تقاسموا لنبيتنه وأهله، فرمتهم الملائكة بالحجارة حتى قتلوهم، فعلى هذا والاقتسام من القسم لا من القسمة، وهو اختيار ابن قتيبة. البحث الثالث: أن قوله: { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } يقتضي تشبيه شيء بذلك فما ذلك الشيء؟ والجواب عنه من وجهين: الوجه الأول: التقدير: ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم كما أنزلنا على أهل الكتاب وهم المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين، حيث قالوا بعنادهم وجهلهم بعضه حق موافق للتوارة والإنجيل، وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل. فإن قيل: فعلى هذا القول كيف توسط بين المشبه والمشبه به قوله:وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } [الحجر: 88] إلى آخره؟ قلنا: لما كان ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم وعداوتهم، اعترض بما هو مدار لمعنى التسلية من النهي عن الالتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم.

السابقالتالي
2