الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } * { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } * { لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

اعلم أن الله تعالى لما قال: { عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ } بين وقت انتقامه فقال: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } وعظم من حال ذلك اليوم، لأنه لا أمر أعظم من العقول والنفوس من تغيير السموات والأرض وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: ذكر الزجاج في نصب يوم وجهين، إما على الظرف لانتقام أو على البدل من قوله: { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ }. المسألة الثانية: اعلم أن التبديل يحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون الذات باقية وتتبدل صفتها بصفة أخرى. والثاني: أن تفنى الذات الأولى وتحدث ذات أخرى، والدليل على أن ذكر لفظ التبدل لإرادة التغير في الصفة جائز، أنه يقال بدلت الحلقة خاتماً إذا أذبتها وسويتها خاتماً فنقلتها من شكل إلى شكل، ومنه قوله تعالى:فَأُوْلَـئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ } [الفرقان: 70] ويقال: بدلت قميصي جبة أي نقلت العين من صفة إلى صفة أخرى، ويقال: تبدل زيد إذا تغيرت أحواله، وأما ذكر لفظ التبديل عند وقوع التبدل في الذوات فكقولك بدلت الدراهم دنانير، ومنه قوله:بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [النساء: 56] وقوله:بَدَّلْنَـٰهُمْ بِجَنَّـتَيْهمْ جَنَّتَيْنِ } [سبأ: 16] إذا عرفت أن اللفظ محتمل لكل واحد من هذين المفهومين ففي الآية قولان: القول الأول: أن المراد تبديل الصفة لا تبديل الذات. قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي تلك الأرض إلا أنها تغيرت في صفاتها، فتسير عن الأرض جبالها وتفجر بحارها وتسوى، فلا يرى فيها عوج ولا أمت. وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها ويمدها مد الأديم العاكظي فلا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً " وقوله: { والسموات } أي تبدل السموات غير السموات، وهو كقوله عليه السلام: " لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده " والمعنى: ولا ذو عهد في عهده بكافر، وتبديل السموات بانتثار كواكبها وانفطارها، وتكوير شمسها، وخسوف قمرها، وكونها أبواباً، وأنها تارة تكون كالمهل وتارة تكون كالدهان. والقول الثاني: أن المراد تبديل الذات. قال ابن مسعود: تبدل بأرض كالفضة البيضاء النقية لم يسفك عليها دم ولم تعمل عليها خطيئة، فهذا شرح هذين القولين، ومن الناس من رجح القول الأول قال لأن قوله: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ } المراد هذه الأرض، والتبدل صفة مضافة إليها، وعند حصول الصفة لا بد وأن يكون الموصوف موجوداً، فلما كان الموصوف بالتبدل هو هذه الأرض وجب كون هذه الأرض باقية عند حصول ذلك التبدل، ولا يمكن أن تكون هذه الأرض باقية مع صفاتها عند حصول ذلك التبدل، وإلا لامتنع حصول التبدل، فوجب أن يكون الباقي هو الذات.

السابقالتالي
2 3 4 5