الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

اعلم أنه تعالى لما ذكر المناظرة التي وقعت بين الرؤساء والأتباع من كفرة الإنس، أردفها بالمناظرة التي وقعت بين الشيطان وبين أتباعه من الإنس فقال تعالى: { وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلأَمْرُ } وفي المراد بقوله: { لَمَّا قُضِىَ ٱلأَمْرُ } وجوه: القول الأول: قال المفسرون: إذا استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، أخذ أهل النار في لوم إبليس وتقريعه فيقوم في النار فيما بينهم خطيباً ويقول ما أخبر الله عنه بقوله: { وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلأَمْرُ }. القول الثاني: أن المراد من قوله: { قُضِىَ ٱلأَمْرُ } لما انقضت المحاسبة، والقول الأول أولى، لأن آخر أمر أهل القيامة استقرار المطيعين في الجنة واستقرار الكافرين في النار، ثم يدوم الأمر بعد ذلك. والقول الثالث: وهو أن مذهبنا أن الفساق من أهل الصلاة يخرجون من النار ويدخلون الجنة فلا يبعد أن يكون المراد من قوله: { لَمَّا قُضِىَ ٱلأَمْرُ } ذلك الوقت، لأن في ذلك الوقت تنقطع الأحوال المعتبرة، ولا يحصل بعده إلا دوام ما حصل قبل ذلك، وأما الشيطان فالمراد به إبليس لأن لفظ الشيطان لفظ مفرد فيتناول الواحد وإبليس رأس الشياطين ورئيسهم، فحمل اللفظ عليه أولى، لا سيما وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا جمع الله الخلق وقضى بينهم يقول الكافر قد وجد المسلمون من يشفع لهم فمن يشفع لنا ما هو إلا إبليس هو الذي أضلنا فيأتونه ويسألونه فعند ذلك يقول هذا القول " أما قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } ففيه مباحث: البحث الأول: المراد أن الله تعالى وعدكم وعد الحق وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفى لكم بما وعدكم ووعدتكم خلاف ذلك فأخلفتكم، وتقرير الكلام أن النفس تدعو إلى هذه الأحوال الدنيوية ولا تتصور كيفية السعادات الأخروية والكمالات النفسانية والله يدعو إليها ويرغب فيها كما قال:وَٱلأَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [الأعلى: 17]. البحث الثاني: قوله: { وَعْدَ ٱلْحَقِّ } من باب إضافة الشيء إلى نفسه كقوله:حبَّ ٱلْحَصِيدِ } [ق: 9] ومسجد الجامع على قول الكوفيين، والمعنى: وعدكم الوعد الحق، وعلى مذهب البصريين يكون التقدير وعد اليوم الحق أو الأمر الحق أو يكون التقدير وعدكم الحق. ثم ذكر المصدر تأكيداً. البحث الثالث: في الآية إضمار من وجهين: الأول: أن التقدير إن الله وعدكم وعد الحق فصدقكم ووعدتكم فأخلفتكم وحذف ذلك لدلالة تلك الحالة على صدق ذلك الوعد، لأنهم كانوا يشاهدونها وليس وراء العيان بيان ولأنه ذكر في وعد الشيطان الإخلاف فدل ذلك على الصدق في وعد الله تعالى. الثاني: أن في قوله: { وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } الوعد يقتضي مفعولاً ثانياً وحذف ههنا للعلم به، والتقدير: ووعدتكم أن لا جنة ولا نار ولا حشر ولا حساب.

السابقالتالي
2 3 4 5 6