الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ }

فيه مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل القاهرة على ما يحتاج إليه في معرفة المبدأ، ذكر بعده مسألة المعاد فقال: { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } وفيه أقوال: القول الأول: قال ابن عباس - رضي الله عنهما: إن تعجب من تكذيبهم إياك بعد ما كانوا قد حكموا عليك أنك من الصادقين فهذا عجب. والثاني: إن تعجب يا محمد من عبادتهم ما لا يملك لهم نفعاً ولا ضراً بعد ما عرفوا الدلائل الدالة على التوحيد فهذا عجب. والثالث: تقدير الكلام إن تعجب يا محمد فقد عجبت في موضع العجب لأنهم لما اعترفوا بأنه تعالى مدبر السموات والأرض وخالق الخلائق أجمعين، وأنه هو الذي رفع السموات بغير عمد، وهو الذي سخر الشمس والقمر على وفق مصالح العباد، وهو الذي أظهر في العالم أنواع العجائب والغرائب، فمن كانت قدرته وافية بهذه الأشياء العظيمة كيف لا تكون وافية بإعادة الإنسان بعد موته، لأن القادر على الأقوى الأكمل فإن يكون قادراً على الأقل الأضعف أولى، فهذا تقرير موضع التعجب. ثم إنه تعالى لما حكى هذا الكلام حكم عليهم بثلاثة أشياء: أولها: قوله: { أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ } وهذا يدل على أن كل من أنكر البعث والقيامة فهو كافر، وإنما لزم من إنكار البعث الكفر بربهم من حيث إن إنكار البعث لا يتم إلا بإنكار القدرة والعلم والصدق أما إنكار القدرة فكما إذا قيل: إن إله العالم موجب بالذات لا فاعل بالاختيار فلا يقدر على الإعادة. أو قيل: إنه وإن كان قادراً لكنه ليس تام القدرة، فلا يمكنه إيجاد الحيوان إلا بواسطة الأبوين وتأثيرات الطبائع والأفلاك، وأما إنكار العلم فكما إذا قيل: إنه تعالى غير عالم بالجزئيات، فلا يمكنه تمييز هذا المطيع عن العاصي وأما إنكار الصدق فكما إذا قيل: إنه وإن أخبر عنه لكنه لا يفعل لأن الكذب جائز عليه ولما كان كل هذه الأشياء كفراً ثبت أن إنكار البعث كفر بالله. الصفة الثانية: قوله: { وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ } وفيه قولان: الأول: قال أبو بكر الأصم: المراد بالأغلال: كفرهم وذلتهم وانقيادهم للأصنام، ونظيره قوله تعالى:إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنـٰقِهِمْ أَغْلَـٰلاً } [يس: 8] قال الشاعر:
لهم عن الرشد أغلال وأقياد   
ويقال للرجل: هذا غل في عنقك للعمل الرديء معناه: أنه لازم لك وأنك مجازى عليه بالعذاب. قال القاضي: هذا وإن كان محتملاً إلا أن حمل الكلام على الحقيقة أولى، وأقول: يمكن نصرة قول الأصم بأن ظاهر الآية يقتضي حصول الأغلال في أعناقهم في الحال وذلك غير حاصل وأنتم تحملون اللفظ على أنه سيحصل هذا المعنى ونحن نحمله على أنه حاصل في الحال إلا أن المراد بالأغلال ما ذكرناه، فكل واحد منا تارك للحقيقة من بعض الوجوه فلم كان قولكم أولى من قولنا.

السابقالتالي
2