الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ }

[30] { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَـٰكَ فِى أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِتَتْلُوَاْ عليْهِمُ ٱلَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بـِٱلرَّحْمَٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّى لآ إِلـٱهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ } اعلم أن الكاف في { كذلك } للتشبيه فقيل وجه التشبيه أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء قبلك في أمة قد خلت من قبلها أمم، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة، وقيل: كما أرسلنا إلى أمم وأعطيناهم كتباً تتلى عليهم، كذلك أعطيناك هذا الكتاب وأنت تتلوه عليهم فلماذا اقترحوا غيره، وقال صاحب «الكشاف»: { كذلك أرسلناك } أي مثل ذلك الإرسال { أرسلناك } يعني أرسلناك إرسالاً له شأن وفضل على سائر الإرسالات. ثم فسر كيف أرسله فقال: { في أمة قد خلت من قبلها أمم } أي أرسلناك في أمة قد تقدمتها أمم فهي آخر الأمم وأنت آخر الأنبياء. أما قوله: { لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك } فالمراد: لتقرأ عليهم الكتاب العظيم الذي أوحينا إليك: { وهم يكفرون بالرحمن } أي وحال هؤلاء أنهم يكفرون بالرحمن الذي رحمته وسعت كل شيء وما بهم من نعمة فمنه، وكفروا بنعمته في إرسال مثلك إليهم وإنزال هذا القرآن المعجز عليهم { قل هو ربي } الواحد المتعالي عن الشركاء: { لا إله إلا هو عليه توكلت } في نصرتي عليكم { وإليه متاب } فيعينني على مصابرتكم ومجاهدتكم قيل: نزل قوله: { وهم يكفرون بالرحمن } في عبد الله بن أمية المخزومي وكان يقول أما الله فنعرفه، وأما الرحمن فلا نعرفه، إلا صاحب اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب فقال تعالى:قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسني } [الإسراء: 110] وكقوله:وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن } [الفرقان: 60] وقيل: إنه عليه السلام حين صالح قريشاً من الحديبية كتب: " هذا ما صالح عليه محمد رسول الله " فقال المشركون: إن كنت رسول الله وقد قاتلناك فقد ظلمنا. ولكن اكتب، هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، فكتب كذلك، ولما كتب في الكتاب: { بسم الله الرحمن الرحيم } قالوا: أما الرحمن فلا نعرفه، وكانوا يكتبون باسمك اللهم، فقال عليه السلام: " اكتبوا كما تريدون ". واعلم أن قوله: { وهم يكفرون بالرحمن } إذا حملناه على هاتين الروايتين كان معناه أنهم كفروا بإطلاق هذا الإسم على الله تعالى، لا أنهم كفروا بالله تعالى. وقال آخرون: بل كفروا بالله إما جحداً له وإما لاثباتهم الشركاء معه. قال القاضي: وهذا القول أليق بالظاهر، لأن قوله تعالى: { وهم يكفرون بالرحمن } يقتضي أنهم كفروا بالله وهو المفهوم من الرحمن، وليس المفهوم من الاسم كما لو قال قائل: كفروا بمحمد وكذبوا به لكان المفهوم هو، دون اسمه.