الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } * { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

اعلم أنه تعالى لما شبه المؤمن والكافر والإيمان والكفر بالأعمى والبصير والظلمات والنور ضرب للإيمان والكفر مثلاً آخر فقال: { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } ومن حق الماء أن يستقر في الأودية المنخفضة عن الجبال والتلال بمقدار سعة تلك الأودية وصغرها، من حق الماء إذا زاد على قدر الأودية أن ينبسط على الأرض ومن حق الزبد الذي يحتمله الماء فيطفو ويربو عليه أن يتبدد في الأطراف ويبطل، سواء كان ذلك الزبد ما يجري مجرى الغليان من البياض أو ما يحفظ بالماء من الأجسام الخفيفة، ولما ذكر تعالى هذا الزبد الذي لا يظهر إلا عند اشتداد جري الماء ذكر الزبد الذي لا يظهر إلا بالنار، وذلك لأن كل واحد من الأجساد السبعة إذا أذيب بالنار لابتغاء حلية أو متاع آخر من الأمتعة التي يحتاج إليها في مصالح البيت، فإنه ينفصل عنها نوع من الزبد والخبث، ولا ينتفع به بل يضيع ويبطل ويبقى الخالص. فالحاصل: أن الوادي إذا جرى طفا عليه زبد، وذلك الزبد يبطل ويبقى الماء. والأجساد السبعة إذا أذيبت لأجل اتخاذ الحلي أو لأجل اتخاذ سائر الأمتعة انفصل عنها خبث وزبد فيبطل ويبقى ذلك الجوهر المنتفع به، فكذا ههنا أنزل من سماء الكبرياء والجلالة والإحسان ماء وهو القرآن، والأودية قلوب العباد وشبه القلوب بالأودية، لأن القلوب تستقر فيها أنوار علوم القرآن، كما أن الأودية تستقر فيها المياه النازلة من السماء، وكما أن كل واحد فإنما يحصل فيه من مياه الأمطار ما يليق بسعته أو ضيقه، فكذا ههنا كل قلب إنما يحصل فيه من أنوار علوم القرآن ما يليق بذلك القلب من طهارته وخبثه وقوة فهمه وقصور فهمه، وكما أن الماء يعلوه زبد الأجساد السبعة المذابة يخالطها خبث، ثم إن ذلك الزبد والخبث يذهب ويضيع ويبقى جوهر الماء وجوهر الأجساد السبعة، كذا ههنا بيانات القرآن تختلط بها شكوك وشبهات، ثم إنها بالآخرة تزول وتضيع ويبقى العلم والدين والحكمة والمكاشفة في العاقبة، فهذا هو تقرير هذا المثل ووجه انطباق المثل على الممثل به، وأكثر المفسرين سكتوا عن بيان كيفية التمثيل والتشبيه. المسألة الثانية: في المباحث اللفظية التي في هذه الآية في لفظ الأودية أبحاث: البحث الأول: الأودية جمع واد وفي الوادي قولان: القول الأول: أنه عبارة عن الفضاء المنخفض عن الجبال والتلال الذي يجري فيه السيل، هذا قول عامة أهل اللغة. والقول الثاني: قال السهروردي يسمى الماء وادياً إذا سال قال: ومنه سمي الودى ودياً لخروجه وسيلانه، وعلى هذا القول فالوادي اسم للماء السائل كالمسيل. والأول هو القول المشهور إلا أن على هذا التقدير يكون قوله: { سَالَتْ أَوْدِيَةٌ } مجازاً فكان التقدير: سالت مياه الأودية إلا أنه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

السابقالتالي
2 3 4