الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }

اعلم أن الضمير من «له» عائد إلى «من» في قوله:سَوَاء مّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ } [الرعد: 10] وقيل على اسم الله في عالم الغيب والشهادة، والمعنى: لله معقبات، وأما المعقبات فيجوز أن يكون أصل هذه الكلمة معتقبات فأدغمت التاء في القاف كقوله:وَجَاء ٱلْمُعَذّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } [التوبة: 90] والمراد المعتذرون ويجوز أن يكون من عقبه إذا جاء على عقبه فاسم المعقب من كل شيء ما خلف يعقب ما قبله، والمعنى في كلا الوجهين واحد. إذا عرفت هذا فنقول: في المراد بالمعقبات قولان. الأول: وهو المشهور الذي عليه الجمهور أن المراد منه الملائكة الحفظة وإنما صح وصفهم بالمعقبات، إما لأجل أن ملائكة الليل تعقب ملائكة النهار وبالعكس، وإما لأجل أنهم يتعقبون أعمال العباد ويتبعونها بالحفظ والكتب، وكل من عمل عملاً ثم عاد إليه فقد عقب، فعلى هذا المراد من المعقبات ملائكة الليل وملائكة النهار. روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك فقال عليه السلام: " ملك عن يمينك يكتب الحسنات وهو أمين على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتبت عشراً، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال لصاحب اليمين أكتب؟ فيقول لا لعله يتوب فإذا قال ثلاثاً قال نعم أكتب أراحنا الله منه فبئس القرين ما أقل مراقبته لله تعالى واستحياءه منا، وملكان من بين يديك ومن خلفك فهو قوله تعالى: { لَهُ مُعَقّبَـٰتٌ مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت لربك رفعك وإن تجبرت قصمك، وملكان على شفتك يحفظان عليك الصلاة علي، وملك علي فيك لا يدع أن تدخل الحية في فيك، وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي تبدل ملائكة الليل بملائكة النهار فهم عشرون ملكاً على كل آدمي " وعنه صلى الله عليه وسلم: " يتعاقب فيكم ملاكئة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر " وهو المراد من قوله:وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } [الإسراء: 78] قيل: تصعد ملائكة الليل وهي عشرة وتنزل ملائكة النهار، وقال ابن جريج: هو مثل قوله تعالى:عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشّمَالِ قَعِيدٌ } [ق: 17] صاحب اليمين يكتب الحسنات والذي عن يساره يكتب السيئات. وقال مجاهد: ما من عبد إلا وله ملك يحفظه من الجن والإنس والهوام في نومه ويقظته. وفي الآية سؤالات: السؤال الأول: الملائكة ذكور، فلم ذكر في جمعها جمع الإناث وهو المعقبات؟ والجواب: فيه قولان. الأول: قال الفراء: المعقبات ذكران جمع ملائكة معقبة، ثم جمعت معقبة بمعقبات، كما قيل: ابناوات سعد ورجالات بكر جمع رجال، والذي يدل على التذكير قوله: { يَحْفَظُونَهُ }.

السابقالتالي
2 3 4 5