الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ }

اعلم أنه لما خرج الصواع من رحل أخي يوسف نكس إخوته رؤسهم وقالوا: هذه الواقعة عجيبة أن راحيل ولدت ولدين لصين، ثم قالوا: يا بني راحيل ما أكثر البلاء علينا منكم، فقال بنيامين ماأكثر البلاء علينا منكم ذهبتم بأخي وضيعتموه في المفازة، ثم تقولون لي هذا الكلام، قالوا له: فكيف خرج الصواع من رحلك، فقال: وضعه في رحلي من وضع البضاعة في رحالكم. واعلم أن ظاهر الآية يقتضي أنهم قالوا للملك: إن هذا الأمر ليس بغريب منه فإن أخاه الذي هلك كان أيضاً سارقاً، وكان غرضهم من هذا الكلام أنا لسنا على طريقته ولا على سيرته، وهو وأخوه مختصان بهذه الطريقة لأنهما من أم أخرى، واختلفوا في السرقة التي نسبوها إلى يوسف عليه السلام على أقوال: الأول: قال سعيد بن جبير: كان جده أبو أمه كافراً يعبد الأوثان فأمرته أمه بأن يسرق تلك الأوثان ويكسرها فلعله يترك عبادة الأوثان ففعل ذلك، فهذا هو السرقة، والثاني: أنه كان يسرق الطعام من مائدة أبيه ويدفعه إلى الفقراء، وقيل سرق عناقاً من أبيه ودفعه إلى المسكين وقيل دجاجة. والثالث: أن عمته كانت تحبه حباً شديداً فأرادت أن تمسكه عند نفسها، وكان قد بقي عندها منطقة لاسحق عليه السلام وكانوا يتبركون بها فشدتها على وسط يوسف ثم قالت بأنه سرقها وكان من حكمهم بأن من سرق يسترق، فتوسلت بهذه الحيلة إلى إمساكه عند نفسها. والرابع: أنهم كذبوا عليه وبهتوه وكانت قلوبهم مملوءة بالغضب على يوسف بعد تلك الوقائع، وبعد انقضاء تلك المدة الطويلة، وهذه الواقعة تدل على أن قلب الحاسد لا يطهر عن الغل ألبتة. ثم قال تعالى: { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } واختلفوا في أن الضمير في قوله: { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ } إلى أي شيء يعود على قولين قال الزجاج: فأسرها إضمار على شريطة التفسير، تفسيره أنتم شر مكاناً وإنما أنث لأن قوله: { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } جملة أو كلمة لأنهم يسمون الطائفة من الكلام كلمة كأنه قال: فأسر الجملة أو الكلمة التي هي قوله: { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } وفي قراءة ابن مسعود { فَأَسْرِ } بالتذكير يريد القول أو الكلام وطعن أبو علي الفارسي في هذا الوجه فيما استدركه على الزجاج من وجهين: الوجه الأول: قال الإضمار على شريطة التفسير يكون على ضربين: أحدهما: أن يفسر بمفرد كقولنا: نعم رجلاً زيد ففي نعم ضمير فاعلها، ورجلاً تفسير لذلك الفاعل المضمر والآخر أن يفسر بجملة وأصل هذا يقع في الابتداء كقوله:فَإِذَا هِىَ شَـٰخِصَةٌ أَبْصَـٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الأنبياء: 97]قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الصمد: 1] والمعنى القصة شاخصة أبصار الذين كفروا والأمر الله أحد.

السابقالتالي
2