الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } * { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } * { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ }

اعلم أنهم لما أتوه بأخيه بنيامين أكرمهم وأضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقي بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخي يوسف حياً لأجلسني معه فقال يوسف بقي أخوكم وحيداً فأجلسه معه على مائدة ثم أمر أن ينزل منهم كل اثنين بيتاً وقال: هذا لا ثاني له فاتركوه معي فآواه إليه، ولما رأى يوسف تأسفه على أخ له هلك قال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال: من يجد أخاً مثلك ولكنك لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف عليه السلام وقام إليه وعانقه وقال: إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون. إذا عرفت هذا فنقول: قوله: { اوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ } أي أنزله في الموضع الذي كان يأوي إليه. وقوله: { إِنّى أَنَاْ أَخُوكَ } فيه قولان: قال وهب: لم يرد أنه أخوه من النسب، ولكن أراد به إني أقوم لك مقام أخيك في الإيناس لئلا تستوحش بالتفرد. والصحيح ما عليه سائر المفسرين من أنه أراد تعريف النسب، لأن ذلك أقوى في إزالة الوحشة وحصول الأنس، ولأن الأصل في الكلام الحقيقة، فلا وجه لصرفه عنها إلى المجاز من غير ضرورة. وأما قوله: { فَلاَ تَبْتَئِسْ } فقال أهل اللغة: تبتئس تفتعل من البؤس وهو الضرر والشدة والابتئاس اجتلاب الحزن والبؤس. وقوله: { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } فيه وجوه: الأول: المراد بما كانوا يعملون من إقامتهم على حسدنا والحرص على انصراف وجه أبينا عنا، الثاني: أن يوسف عليه السلام ما بقي في قلبه شيء من العداوة وصار صافياً مع إخوته، فأراد أن يجعل قلب أخيه صافياً معه أيضاً، فقال: { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي لا تلتفت إلى ما صنعوه فيما تقدم، ولا تلتفت إلى أعمالهم المنكرة التي أقدموا عليها. الثالث: أنهم إنما فعلوا بيوسف ما فعلوه، لأنهم حسدوه على إقبال الأب عليه وتخصيصه بمزيد الإكرام، فخاف بنيامين أن يحسدوه بسبب أن الملك خصه بمزيد الإكرام، فأمنه منه وقال: لا تلتفت إلى ذلك فإن الله قد جمع بيني وبينك. الرابع: روى الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن إخوة يوسف عليه السلام كانوا يعيرون يوسف وأخاه بسبب أن جدهما أبا أمهما كان يعبد الأصنام، وأن أم يوسف امرأت يوسف فسرق جونة كانت لأبيها فيها أصنام رجاء أن يترك عبادتها إذا فقدها. فقال له: { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي من التعيير لنا بما كان عليه جدنا. والله أعلم. ثم قال تعالى: { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسّقَايَةَ فِى رَحْلِ أَخِيهِ } وقد مضى الكلام في الجهاز والرحل، أما السقاية فقال صاحب «الكشاف»: مشربة يسقي بها وهو الصواع قيل: كان يسقي بها الملك ثم جعلت صاعاً يكال به، وهو بعيد لأن الإناء الذي يشرب الملك الكبير منه لا يصلح أن يجعل صاعاً، وقيل: كانت الدواب تسقى بها ويكال بها أيضاً وهذا أقرب، ثم قال وقيل كانت من فضة مموهة بالذهب، وقيل: كانت من ذهب، وقيل: كانت مرصعة بالجواهر وهذا أيضاً بعيد لأن الآنية التي يسقى الدواب فيها لا تكون كذلك، والأولى أن يقال: كان ذلك الإناء شيئاً له قيمة، أما إلى هذا الحد الذي ذكروه فلا.

السابقالتالي
2 3