الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

قال المفسرون: لما قال يعقوب:وَمَا أُغْنِى عَنكُمْ مّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْء } [يوسف: 67] صدقه الله في ذلك فقال: وما كان ذلك التفرق يغني من الله من شيء وفيه بحثان: البحث الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: ذلك التفرق ما كان يرد قضاء الله ولا أمراً قدره الله. وقال الزجاج: إن العين لو قدر أن تصيبهم لأصابتهم وهم متفرقون كما تصيبهم وهم مجتمعون. وقال ابن الأنباري: لو سبق في علم الله أن العين تهلكهم عند الاجتماع لكان تفرقهم كاجتماعهم، وهذه الكلمات متقاربة، وحاصلها أن الحذر لا يدفع القدر. البحث الثاني: قوله: { مِن شَىْء } يحتمل النصب بالمفعولية والرفع بالفاعلية. أما الأول: فهو كقوله: ما رأيت من أحد، والتقدير: ما رأيت أحداً، فكذا ههنا تقدير الآية: أن تفرقهم ما كان يغني من قضاء الله شيئاً، أي ذلك التفرق ما كان يخرج شيئاً من تحت قضاء الله تعالى. وأما الثاني: فكقولك: ما جاءني من أحد، وتقديره ما جاءني أحد فكذا ههنا التقدير: ما كان يغني عنهم من الله شيء مع قضائه. أما قوله: { إِلاَّ حَاجَةً فِى نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا } فقال الزجاج: إنه استثناء منقطع، والمعنى: لكن حاجة في نفس يعقوب قضاها، يعني أن الدخول على صفة التفرق قضاء حاجة في نفس يعقوب قضاها، ثم ذكروا في تفسير تلك الحاجة وجوهاً: أحدها: خوفه عليهم من إصابة العين، وثانيها: خوفه عليهم من حسد أهل مصر، وثالثها:خوفه عليهم من أن يقصدهم ملك مصر بشر، ورابعها: خوفه عليهم من أن لا يرجعوا إليه، وكل هذه الوجوه متقاربة. وأما قوله: { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لّمَا عَلَّمْنَاهُ } فقال الواحدي: يحتمل أن يكون { مَا } مصدرية والهاء عائدة إلى يعقوب، والتقدير: وإنه لذو علم من أجل تعليمنا إياه، ويمكن أن تكون { مَا } بمعنى الذي والهاء عائدة إليها، والتأويل وإنه لذو علم للشيء الذي علمناه، يعني أنا لما علمناه شيئاً حصل له العلم بذلك الشيء وفي الآية قولان آخران: الأول: أن المراد بالعلم الحفظ، أي أنه لذو حفظ لما علمناه ومراقبة له والثاني:لذو علم لفوائد ما علمناه وحسن آثاره وهو إشارة إلى كونه عاملاً بما علمه، ثم قال: { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } وفيه وجهان: الأول: ولكن أكثر الناس لا يعلمون مثل ما علم يعقوب. والثاني: لا يعلمون أن يعقوب بهذه الصفة والعلم، والمراد بأكثر الناس المشركون، فإنهم لا يعلمون بأن الله كيف أرشد أولياءه إلى العلوم التي تنفعهم في الدنيا والآخرة.