الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ }

اعلم أن يوسف عليه السلام كان في غاية الجمال والحسن، فلما رأته المرأة طمعت فيه ويقال أيضاً إن زوجها كان عاجزاً يقال: راود فلان جاريته عن نفسها وراودته هي عن نفسه إذا حاول كل واحد منها الوطء والجماع { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } والسبب أن ذلك العمل لا يؤتى به إلا في المواضع المستورة لا سيما إذا كان حراماً، ومع قيام الخوف الشديد وقوله: { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } أي أغلقتها قال الواحدي: وأصل هذا من قولهم في كل شيء تشبث في شيء فلزمه قد غلق يقال: غلق في الباطل وغلق في غضبه، ومنه غلق الرهن، ثم يعدى بالألف فيقال: أغلق الباب إذا جعله بحيث يعسر فتحه. قال المفسرون: وإنما جاء غلقت على التكثير لأنها غلقت سبعة أبواب، ثم دعته إلى نفسها. ثم قال تعالى: { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال الواحدي: هيت لك اسم للفعل نحو: رويداً، وصه، ومه. ومعناه هلم في قول جميع أهل اللغة، وقال الأخفش: { هَيْتَ لَكَ } مفتوحة الهاء والتاء، ويجوز أيضاً كسر التاء ورفعها. قال الواحدي: قال أبو الفضل المنذري: أفادني ابن التبريزي عن أبي زيد قال: هيت لك بالعبرانية هيالح، أي تعال عربه القرآن، وقال الفراء: إنها لغة لأهل حوران سقطت إلى بكة فتكلموا بها. قال ابن الأنباري: وهذا وفاق بين لغة قريش وأهل حوران كما اتفقت لغة العرب والروم في «القسطاس» ولغة العرب والفرس في السجيل ولغة العرب والترك في «الغساق» ولغة العرب والحبشة في «ناشئة الليل». المسألة الثانية: قرأ نافع وابن عامر في رواية ابن ذكوان { هَيْتَ } بكسر الهاء وفتح التاء، وقرأ ابن كثير { هَيْتَ لَكَ } مثل حيث، وقرأ هشام بن عمار عن أبي عامر { أَحْلَلْنَا لَكَ } بكسر الهاء وهمز الياء وضم التاء مثل جئت من تهيأت لك، والباقون بفتح الهاء وإسكان الياء وفتح التاء، ثم إنه تعالى قال: إن المرأة لما ذكرت هذا الكلام قال يوسف عليه السلام: { مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ } فقوله: { مَعَاذَ ٱللَّهِ } أي أعوذ بالله معاذاً، والضمير في قوله: { أَنَّهُ } للشأن والحديث { رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ } أي ربي وسيدي ومالكي أحسن مثواي حين قال لك: أكرمي مثواه، فلا يليق بالعقل أن أجازيه على ذلك الإحسان بهذه الخيانة القبيحة { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } الذين يجازون الإحسان بالإساءة، وقيل: أراد الزناة لأنهم ظالمون أنفسهم أو لأن عملهم يقتضي وضع الشيء في غير موضعه، وههنا سؤالات:السؤال الأول: أن يوسف عليه السلام كان حراً وما كان عبداً لأحد فقوله: { إِنَّهُ رَبّى } يكون كذباً وذلك ذنب وكبيرة.

السابقالتالي
2